للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القلوب، ويطهر السرائر بقدر ما فيها من حسن الاستعداد، ويبرز السرائر الخبيثة ويظهر سوء استعدادها.

{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من موالاة المشركين وغيرها، فيجازيكم عليه، فيجب على الإنسان أن يبالغ في أمر النية ورعاية القلب.

وخلاصة المعنى: أظننتم أن تتركوا قبل أن يتم التمحيص والتمييز بين الصادقين في جهادهم، والكاذبين فاسدي السريرة، ومتخذي الوليجة، وهو لم يعلم الصادقين في الجهاد؛ لأنهم لم يتميزوا من غيرهم بالفعل، وما لا يعلم الله وجوده فلا وجود له، إذ لا يخفى عليه شيءٌ من أمركم وهو الخبير بكل ما تعملون.

وقرأ الجمهور (١): {تَعْمَلُونَ} بالتاء على الخطاب، مناسبةً لقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ} وقرأ الحسن ويعقوب في رواية رُوُيْسٍ وسلَّام: بالياء على الغيبة التفاتًا.

١٧ - {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ}؛ أي: ما ينبغي ولا يصح ولا يستقيم للمشركين {أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} تعالى ومتعبداته بدخولها والقعود فيها وخدمتها، فإذا دخل الكافر بغير إذن المسلم .. عزر، وإن دخل بإذنه .. لم يعزر، لكن لا بد من حاجة، فيشترط للجواز الإذن والحاجة، ويدل على جواز دخول الكافر المسجد بالإذن: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شد ثمامة بن أثال إلى سارية من سواري المسجد، وهو كافر) حالة كونهم {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} قولًا وفعلًا، حال من فاعل يعمروا؛ أي: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين، عمارة متعبدات الله، والكفر بالله قولًا؛ لأنهم يقولون في طوافهم: لبيك لا شريك لك، إلّا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، مع قولهم: نحن نعبد اللات والعزى، وفعلًا؛ لأنهم كلما طافوا .. سجدوا للأصنام، فلم يزدادوا بذلك إلا بعدًا من الله ومن مساجده.

وقرأ الجمهور (٢): {يَعْمُرُوا} بفتح حرف المضارعة وضم الميم، من عمر


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط والشوكاني.