للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يترككم الله سبحانه وتعالى بدون تكليفكم بالقتال الذي سئمتموه {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ}؛ أي: والحال أنه لم يظهر الله سبحانه وتعالى الذين جاهدوا منكم بالإخلاص؛ أي: لم يميزهم عن غيرهم، ممن جاهدوا بدون إخلاص، وقوله: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا} عطف على {جَاهَدُوا} داخل في الصلة؛ أي: ولم يظهر الذين لم يتخذوا {مِنْ دُونِ اللَّهِ} تعالى {وَلَا رَسُولِهِ} - صلى الله عليه وسلم -، {وَلَا} من دون {الْمُؤْمِنِينَ} المخلصين {وَلِيجَةً}؛ أي: بطانة وأصدقاء من الكفار؛ أي: أم حسبتم أن يترككم الله سدى بلا امتحان بالتكاليف، والحال أنه لم يميز بين المجاهدين المخلصين الذين لم يتخذوا وليجةً وبطانةً من الكفار، وبين غيرهم ممن لم يخلصوا في جهادهم واتخذوا وليجةً من الكفار؛ أي: أم حسبتم أن تتركوا من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق، الذي يستحق به الثواب والعقاب.

والمعنى: كيف تحسبون أنكم تتركون، ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخل، ولم يتبين المتخذ وليجةً من غير المتخذ؟

والخلاصة (١): أم حسبتم أن تتركوا وشأنكم، بغير فتنةٍ ولا امتحانٍ، ولم يتبين المجاهدون المخلصون منكم، الذين لم يتخذوا لأنفسهم بطانة من المشركين، من المنافقين الذين اتخذوا لأنفسهم وليجة، من المشركين الذين يطلعون أولئك الولائج على أسرار الملة الإِسلامية، ويقفونهم على سياسة الأمة المحمدية، كما يفعل المنافقون في كل زمان؟

وقد عبَّر سبحانه عن عدم ظهور هؤلاء المجاهدين، وعن عدم تميزهم من المنافقين وضعفاء الإيمان بعدم علمه بهم؛ لأن عدم علمه بالشىء دليلٌ على عدم وجوده، ولا يظهر هؤلاء الممتازون إلا بالابتلاء بالشدائد، وذلك أنه لما فرض القتال .. تبين المنافق من غيره، ومن يوالي المؤمنين ممن يوالي أعداءهم، وقد مضت سنته تعالى بأن التكليف الذي يشق على الأنفس هو الذي يمحص ما في


(١) المراغي.