للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القلب؛ لأنه المنتفع به. ثم الإنذار صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحقيقة. وقرأ (١) نافع، وابن عامر {لتنذر} بتاء الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقرأ باقي السبعة: بياء الغيبة، فاحتمل أن يعود على الرسول، واحتمل أن يعود على القرآن.

والمعنى (٢): أي وما القرآن إلا مواعظ من ربنا، يُرشد بها عباده إلى ما فيه نفعهم وهدايتهم في معاشهم ومعادهم، نزل من الملأ الأعلى وليس من كلام البشر. فقد تحدى المخالفين أن يأتوا بمثله؛ فما استطاعوا، فلجؤوا إلى السيف والسنان، وتركوا المقاولة بالحجة والبرهان. ثم ذكر من ينتفع به فقال: {لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا}؛ أي: لينتفع بنذارته من كان حي القلب، مستنير البصيرة، يعرف مواقع الهدى والرشاد، فيسترشد بهديه، وليس له من صوارف الهوى ما يصده عن اتباع الحق، ولا من نوازع الاستكبار والإعراض، ما يكون حائلًا بينه وبين الهدى. فهو يتواثب على الإقرار بالحق، إذا لاح له بريق من نوره، فتمتلىء جوانبه إشراقًا وضياءً، ويخر له مذعنًا مستسلمًا. وكأن طائفًا من السماء نزل عليه فأثلج صدره، وألان قلبه، فاطمأن له وركن إليه. وذلك من رزقه الله التوفيق والهداية، وكتب له الفوز والسعادة.

وبعدئذ بيّن عاقبة من أعرض عنه، فقال: {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ}؛ أي: ويجب القضاء من الله تعالى، وتجب كلمة العذاب. وهي {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}. {عَلَى الْكافِرِينَ؛} أي: على المصرين على الكفر به تعالى، الذين هم كأنهم أموات، لخلوهم من النفوس الحساسة اليقظة، التي دأبها اتباع الحق ومخالفة الهوى؛ لأنه إذا انتفت الريبة إلا المعاندة فيحق القول عليهم. وفي إيرادهم في مقابلة {مَنْ كانَ حَيًّا} إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة، وأحكامها، التي هي المعرفة، أموات في الحقيقة، كالجنين ما لم ينفخ فيه الروح. فالمعرفة تؤدي إلى الإيمان والإسلام والإحسان التي لا يموت أهلها، بل ينتقل من مكان إلى مكان.

٧١ - والهمزة في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا} للاستفهام التقريري للتعجيب خلافًا لما قاله


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.