السَّعِيرِ}؛ أي: ندخله في الآخرة عذاب النار المسعرة. وهذا ما عليه جمهور المفسرين. وقيل: نذقه في الدنيا من عذاب النار، وقال السدي: وكل الله تعالى بالجن ملكًا بيده سوط من نار، فمن زاغ عن أمر سليمان .. ضربه بذلك السوط من حيث لا يراه ضربة أحرقته بالنار.
والمعنى: أي وسخرنا له من الجن من يبني له الأبنية وغيرها بقدرة ربه وتسخيره، ومن يخرج منهم عن طاعته .. نذقه عذابًا أليمًا في الدنيا والآخرة، وإنا لنوقن بصدق ما جاء به القرآن من استخدام سليمان للجن، ولا نعلم كيف كان يستخدمهم في أعماله، ولكن نشاهد آثار استخدامه لهم من المباني الشاهقة، والقصور العظيمة، والتماثيل البديعة.
١٣ - ثم بيَّن سبحانه ما يعمله الجن لسليمان فقال:{يَعْمَلُونَ لَهُ}؛ أي: يعمل الجن لسليمان {مَا يَشَاءُ} سليمان ويريد {مِنْ مَحَارِيبَ} بيان لما يشاء، جمع: محراب، وهو البناء المرتفع الذي يرقى إليه بدرج، والقصر العالي. سمي محرابًا؛ لأنه يذب عنه، ويحارب عليه تشبيهًا بمحراب المسجد؛ لأنه يحارب فيه الشيطان، كما سيأتي البحث عنه في مبحث مفردات اللغة.
والمعنى: يبنون له ما يشاء من قصور حصينة، ومساكن شريفة، سميت بذلك؛ لأنها يذب عنها، ويحارب عليها. قال المفسرون: فبنتِ الشياطين لسليمان تدمر على زنة تنصر، وهي بلدة بالشام، والأبنية العجيبة باليمن، وهي صرواج ومرواج وبينون وسلحين وهيذة وهنيذة وفلتوم وغمدان، ونحوها. وكلها خراب الآن، وعملوا له بيت المقدس في غاية الحسن والبهاء.
قصة بناء سليمان لبيت المقدس
وروي (١): أنه أراد داود عليه السلام بنيان بيت المقدس، فبناه مرارًا، فلما فرغ منه تهدم، فشكا ذلك إلى الله تعالى، فأوحى الله إليه أن بيتي هذا لا يقوم على يدي من سفك الدماء، فقال داود: يا رب، ألم يكن ذلك في سبيلك؟ قال: بلى، ولكنهم أليسوا عبادي، فقال: يا رب، اجعل بنيانه على يدي من هو منى، فأوحى