الله تعالى إليه أن ابنك سليمان يبنيه، فإني أملِّكه بعدك، وأسلِّمه من سفك الدماء، وأقضي إتمامه على يده. وسبب هذا: أن الشفقة على خلق الله أحق بالرعاية من الغيرة في الله بإجراء الحدود المفضية إلى هلاكهم، ولكون إقامة هذه النشأة أولى من هدمها فرض الله في حق الكفار الجزية والصلح إبقاءً عليهم، ألا ترى من وجب عليه القصاص كيف شرع لولي الدم أخذ الفدية أو العفو، فإن أبى فحينئذ يقتل. ألا ترى سبحانه إذا كان أولياء الدم جماعة، فرضي واحد بالدية، أو عفا عن حقه، وباقي الأولياء لا يرون إلا القتل كيف يراعي من عفا، ويرجَّح على من لم يعفُ، فلا يقتل قصاصًا.
ثم نرجع إلى القصة: فصلوا فيه زمانًا، وكان مولد سليمان بغزة، وملك بعد أبيه، وله اثنتا عشرة سنة، ولما كان في السنة الرابعة من ملكه في شهر أيار سنة تسع وثلاثين وخمس مئة لوفاة موسى عليه السلام .. ابتدأ سليمان في عمارة بيت المقدس وإتمامه حسبما تقدم وصية أبيه إليه، وجمع حكماء الإنس والجن، وعفاريت الأرض، وعظماء الشياطين، وجعل منهم فريقًا يبنون، وفريقًا يقطعون الصخور والعمد من معادن الرخام، وفريقًا يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان، وكان في الدر ما هو مثل بيضة النعامة والدجاجة، وبنى مدينة بيت المقدس، وجعلها اثني عشر ربضًا، وأنزل كل ربض منها سبطًا من أسباط بني إسرائيل، وكانوا اثني عشر سبطًا، ثم بني المسجد الأقصى بالرخام الملون، وسقفه بألواح الجواهر الثمينة، ورصع سقوفه وحيطانه باللآلىء واليواقيت، وأنبت الله شجرتين عند باب الرحمة إحداهما: تنبت الذهب، والأخرى: تنبت الفضة، فكان كل يوم ينزع من كل واحدة مئتي رطل ذهبًا وفضة، وفرش المسجد بلاطة من ذهب، وبلاطة من فضة، وبألواح الفيروزج، فلم يكن يومئذ بيتٌ أبهى ولا أنور من ذلك المسجد، كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر. وفرغ منه في السنة الحادية عشرة من ملكه، وكان ذلك بعد هبوط آدم من الجنة بأربعة آلاف سنة وأربع مئة وأربع عشرة سنة، وبين عمارة سليمان لمسجد بيت المقدس، والهجرة النبوية المحمدية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات ألفُ سنة وثمان مئة سنة، وقريب من سنتين.
ولما فرغ من بناء المسجد .. سأل الله تعالى ثلاثًا: حكمًا يوافق حكمه،