للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآية، ويجعل ما بي بك، ويرزقني الغنى، ويرزقني لإيماني جنّة خيرًا من جنتك، ويسلبك بكفرك نعمته، ويخرّب جنّتك بأن يرسل عليها مطرا من السماء، يقلع زروعها، وأشجارها، أو يجعل ماءها يغور في الأرض، فلن تطيق أن تدركه بعد غوره بطلبك إياه.

وخلاصة ذلك: أن المؤمن رجا هلاك جنة صاحبه الكافر، إما بآفة سماويّةٍ، أو بآفة أرضيةٍ، وهي غور مائها، وكلتاهما تتلف الشجر والزرع والكرم،

٤٢ - ثمّ أخبر سبحانه بأنه قد حقق ما رجاه ذلك المؤمن وتوقعه من إهلاك جنة الكافر فقال: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} قد قدمنا اختلاف القراء في هذا الحرف وتفسيره؛ أي: أهلك ثمر بستانه بالكلية، وجميع أمواله مأخوذ (١) من أحاط به العدو لأنّه إذا أحاط به فقد غلبه، واستولى عليه، فيهلكه، فهو معطوف على مقدر، كأنه قيل: فوقع بعض ما توقّعه من المحذور، وأهلك أمواله المعهودة التي هي جنتاه وما حوتاه وأحيط بثمره. {فَأَصْبَحَ}؛ أي: صار صاحب الجنّتين {يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} ظهرًا لبطن، ويضرب إحداهما على الأخرى تأسفًا وتحسرًا كما هو عادة النادمين فإن النادم يضرب يديه واحدةً على الأخرى، قال السمرقندي (٢) تقليب الكفين، وعض الكف، والأنامل، واليدين، وأكل البنان، وحرق الأسنان ونحوها كنايات عن الندم والحسرة؛ لأنها من روادفها فتطلق الرّادفة على المردوف، فيرتقي الكلام به إلى الذروة العليا، ويزيد الحسن بقبول السامع. انتهى ولكونه في معنى النّدم عداه تعديته بعلى، كأنّه قيل: فأصبح يندم {عَلى ما أَنْفَقَ} وصرف {فِيها}؛ أي: في عمارتها وإصلاحها من الأموال، ولعل (٣) تخصيص الندم به دون ما هلك الآن من الجنة لما أنّه إنّما يكون على الأفعال الاختيارية، يقول الفقير الظاهر: أن الإنفاق إنما هو لتملكها، فالتّحسر على ماله مغن عن التحسر على الجنة؛ لأنّها بدله، وهذا شائع في العرف كما يقول بعض النّادمين: قد صرفت لهذا كذا، وكذا مالًا، وقد آل أمره إلى الهلاك متحسرًا على المال المصروف، وجملة


(١) روح البيان.
(٢) بحر العلوم.
(٣) روح البيان.