للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وليي الله؛ ولأنّ {الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} الخ. وبهذا يندفع توهم التكرار مع ما سبق؛ لأنّ ما سبق للفرق بين من تجوز عبادته ومن لا، وما هنا لتعليل عدم المبالاة بهم.

والمعنى (١): أي وإنّ الذين تدعونهم لنصركم، وجلب النفع لكم، ودفع الضر عنكم عاجزون، فلا هم بالمستطيعون نصركم، ولا نصر أنفسهم على من يحقر شأنهم، أو يسلبهم شيئا مما وضع عليهم من طيب، أو حلي، فقد كسر إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه الأصنام، فجعلهم جذاذا، فما استطاعوا أن يدفعوه عن أنفسهم، ولا أن ينتقموا منه لها.

وقد روي (٢) عن معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما - وكانا شابين من الأنصار قد أسلما، لما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة - أنّهما كانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانه ويتلفانها، ويتخذانها حطبا للأرامل، ليعتبر قومهما بذلك ويرتؤوا لأنفسهم رأيا آخر.

وكان لعمرو بن الجموح - وكان سيد قومه - صنم يعبده، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة، فيجيء عمرو فيرى ما صنع به، فيغسله ويطيبه، ويضع عنده سيفا ويقول له: انتصر، ثم يعودان لمثل ذلك، ويعود إلى صنيعه أيضا حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت، ودلياه في حبل في بئر هناك، فلما جاء ورأى ذلك .. علم أن ما كان عليه من الدين باطل وأنشد:

تالله لو كنت إلها مستدن ... لم تك والكلب جميعا مقترن

ثم أسلم وحسن إسلامه، وقتل يوم أحد شهيدا رضي الله عنه، وبعد أن نفى عنهم القدرة على النصرة، أردف ذلك بنفي قدرتهم على الإرشاد إلى الهدى والرشاد.

١٩٨ - فقال: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى}؛ أي: وإن تدعوا أيها المشركون أصنامكم إلى أن يهدوكم إلى ما تحصلون به مقاصدكم وتنتصرون به من أسباب خفية أو ظاهرة {لا يَسْمَعُوا} دعاءكم، ولا يجيبونه، فضلا عن مدّ يد المعونة والمساعدة؛


(١) المراغي.
(٢) المراغي.