ومنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - يضيء من جميع الجهات الكونية إلى جميع العوالم، كما أنَّ السراج يضيء من كل جانب، وأيضًا: يضيء لأمته كلهم، كالسراج لجميع الجهات إلا من عمي، مثل: أبي جهل، ومن تبعه على صفته، فإنه لا يستضيء بنوره، ولا يراه حقيقة، كما قال تعالى:{وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}.
ومنها: أنه سماه سراجًا، ولم يسمه شمسًا، ولا قمرًا، ولا كوكبًا؛ لأنه لا يوجد يوم القيامة شمس ولا قمر ولا كوكب، ولأن الشمس والقمر لا ينقلان من موضع إلى موضع بخلاف السراج، ألا ترى أنه تعالى نقله - عليه السلام - من مكة إلى المدينة.
ومعنى الآية (١): أي يا أيها الرسول، إنا بعثناك شاهدًا على من بُعثت إليهم، تراقب أحوالهم، وترى أعمالهم، وتتحمل الشهادة بما صدر منهم من تصديق وتكذيب، وسائر ما يفعلون من الهدى والضلال، وتؤدِّي ذلك يوم القيامة، وأرسلناك مبشرًا لهم بالجنة إن صدقوك، وعملوا بما جئتهم به من عند ربك، ومنذرًا لهم بالنار يدخلونها، فيعذبون فيها إن هم كذبوك، وخالفوا ما أمرتهم به، ونهيتهم عنه، وداعيًا الخلق إلى الإقرار بوحدانيته تعالى، وسائر ما يجب له من صفات الكمال، وإلى عبادته ومراقبته في السر والعلن، وسراجًا منيرًا يستضيء به الضالون في ظلمات الجهل والغواية، ويقتبس من نورك المهتدون، فيسلكون مناهج الرشد والسعادة.
٤٧ - وقوله:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} معطوف على مقدر يقتضيه المقام، كأنه قال: فدبر أمور الناس، وراقب أحوالهم، وبشر المؤمنين بك، وبما جئت به بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا؛ أي: على مؤمني سائر الأمم في الرتبة والشرف، أو زيادة على أجور أعمالهم بطريق التفضل والإحسان. وروي أن الحسنة الواحدة في الأمم السالفة كانت بواحدة، وفي هذه الأمة بعشر أمثالها إلى ما لا نهاية له.
أو هو من عطف جملة على جملة، وهي الذكور سابقًا، ولا يمنع من ذلك الاختلاف بين الجملتين بالإخبار والإنشاء. أمره سبحانه بأن يبشرهم بأن لهم من الله