للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشمس أربعين سنة، فصار صلصالًا كالخزف، ولا يدري أحد ما يراد به، ولم يروا شيئًا من الصور يشبهه، إلى أن نفخ فيه الروح.

والمعنى (١): وعزتي وجلالي لقد خلقنا أول فرد من أفراد الإنسان من طين يابس، يصلصل ويصوت إذا نقر، أسود متغير مفرغ في قالب ليجف، ويبس كالجواهر المذابة التي تصب في القوالب، ونحو الآية قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)} وقد جاء خلق آدم على أطوار مختلفة، وكان أوَّلًا ترابًا، كما قال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} ثم كان طينًا كما قال: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} ثم كان صلصالًا من حمأ مسنون، كما جاء في هذه الآية، وإنما خلقه على ذلك ليكون خلقه أعجب وأتم في الدلالة على القدرة.

٢٧ - {وَالْجَانَّ} منصوب على الإشتغال {خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل خلق آدم عليه السلام، قال ابن عباس (٢): الجان أبو الجن، كما أن آدم أبو البشر، وقال قتادة: هو إبليس، وقيل: الجان أبو الجن، وإبليس أبو الشياطين، وفي الجن مسلمون وكافرون، يأكلون ويشربون ويحيون ويموتون كبني آدم، وأما الشياطين فليس فيهم مسلمون، ولا يموتون إلا إذا مات إبليس، وقال وهب: إن من الجن من يولد له، ويأكلون ويشربون، وهم بمنزلة الآدميين، ومن الجن من هو بمنزلة الريح، لا يتوالدون ولا يشربون ولا يأكلون، وهم الشياطين، والأصح (٣) أن الشياطين نوع من الجن لاشتراكهم في الاستتار، سموا جنًّا لتواريهم واستتارهم عن الأعين، من قولهم: جن الليل إذا ستر، والشيطان هو العاتي المتمرد الكافر، والجن منهم المؤمن ومنهم الكافر.

{مِنْ نَارِ السَّمُومِ}؛ أي: من نار هي السموم، فهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كمسجد الجامع؛ أي: النار السموم، كما ذكره في "البحر"؛ أي: "من" نار هي الريح الحارة، النافذة في مسام الإنسان من لطفها وقوة حرارتها فتقتله،


(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) الخازن.