والثبور، بنحو قولهم:{مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار: أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا من الجنة والنعيم المقيم حقًا، فهل وجدتم ما وعد ربكم من عذاب النار حقًا؟ قالوا: نعم، ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة: أن أفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله.
وقرأ الجمهور (١): {التَّنَادِ} بتخفيف الدال وحذف الياء، والأصل: التنادي، وهو التفاعل من النداء، يقال: تنادى القوم؛ أي: نادى بعضهم بعضًا، وقرأ الحسن وابن السميفع ويعقوب وابن كثير ومجاهد: بإثبات الياء على الأصل، وقرأ ابن عباس والضحَّاك وعكرمة: بتشديد الدال؛ أي: يوم فرار بعضهم من بعض، قال بعض أهل اللغة: هو لحن؛ لأنه من ند يندّ: إذا مرّ على وجهه هاربًا، قال النحاس: وهذا غلط، والقراءة حسنةٌ على معنى التنافي، قال الضحاك: معناه: أنهم إذا سمعوا بزفير جهنم .. ندّوا هربًا فلا يأتون قطرًا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفًا من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله تعالى:{يَوْمَ التَّنَادِ}.
والمعنى على قراءة الجمهور: يوم ينادي بعضهم بعضًا، أو ينادي أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار، أو ينادى فيه بسعادة السعداء، وشقاوة الأشقياء، أو يوم ينادى فيه: كل أناس بإمامهم، ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني.
٣٣ - وقوله تعالى:{يَوْمَ تُوَلُّونَ} بدل من يوم التناد، أي: إني أخاف عليكم عذاب يوم يولّي بعضكم بعضًا دبره، حال كونكم {مُدْبِرِينَ}؛ أي: منصرفين من الموقف إلى النار، أو فارّين منها, لأنهم إذ سمعوا زفير النار .. ندّوا هاربين، فلا يأتون قطرًا من الأقطار إلا وجدوا ملائكةُ صفوفًا، فبينما هم يموج بعضهم في بعض .. إذا سمعوا مناديًا: أقبلوا إلى الحساب، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، وحال كونكم {مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ}؛ أي: ما لكم من عاصم يعصمكم من عذابه تعالى، ويحفظكم في فراركم حتى تعذَّبوا في النار، والجملة: حال أخرى من ضمير {تُوَلُّونَ}.