للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الموت رجوعًا مرضيًا، وهذا تعميم بعد التخصيص؛ لأن متعلق التوبة في الآية الأولى الشرك والقتل والزنا فقط، وهاهنا مطلق المعاصي.

والتوبة في الشرع: ترك الذنب لقبحه، والندم على ما فرّط، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كملت شرائط التوبة، قال ابن عطاء: التوبة الرجوع من كل خلق مذموم، والدخول في كل خلق محمود، وهي توبة الخواص. وقال بعضهم: التوبة أن يتوب من كل شيء سوى الله تعالى، وهي توبة الأخص، فعليكم أيها الإخوان بالتوبة والاستغفار، فإنها صابون الأوزار.

والمعنى: أي ومن تاب عن المعاصي التي فعلها، وندم على ما فرط منه، وزكّى نفسه بصالح الأعمال، فإنه يتوب إلى الله توبة نصوحًا مقبولة لديه، ماحية للعقاب، محصّلة لجزيل الثواب، إلى أنه ينير قلبه بنور من عنده يهديه إلى سواء السبيل، ويوفقه للخير، ويبعده عن الضير، وفي هذا تعميم لقبول التوبة من جميع المعاصي بعد أن ذكر قبولها من أمهاتها، نسأل الله تعالى توبة نصوحا ومن آثار رحمته فيضًا ونوالًا وفتوحًا.

٧٢ - وسابع الصفات: ما ذكره بقوله: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}؛ أي (١): لا يحضرون مواضع الكذب، فإن حضور مجامع الفسّاق مشاركة لهم في تلك المعصية، ولأن النظر إليها دليل الرضا بها. وقيل: معنى {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} لا يشهدون (٢) أعياد المشركين واليهود والنصارى. وقيل: لا يشهدون مواضع النوح والندب. وقيل: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم. وقيل: لا يشهدون مواضع اللهو واللعب والغناء. قال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع. والأولى التعميم، فيقال: لا يشهدون مواضع المعاصي كلها، أيًا كانت. أو المعنى: لا يشهدون الشهادة الكاذبة.

والحاصل: أنَّ {يَشْهَدُونَ} إن كان من الشهادة بمعنى الإخبار .. ففي


(١) المراح.
(٢) الخازن.