للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكلام حذف مضاف؛ أي: لا يشهدون شهادة الزور، وإن كان من الشهود بمعنى الحضور، كما ذهب إليه الجمهور .. فقد اختلفوا في معناه على الأقوال التي ذكرناها أولًا.

واختلف الأئمة في عقوبة شاهد الزور (١): فقال أبو حنيفة: لا يعزّر، بل يوقف في قومه، ويقال لهم: إنه شاهد زور. وقال الثلاثة: يعزّر ويوقف في قومه، ويعرّفون أنه شاهد زور. وقال مالك: يشهر في الجوامع والأسواق والمجامع. وقال أحمد: يطاف به في المواضع التي يشتهر فيها، فيقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه - أي: يطليه بمادة سوداء - ويحلق رأسه، ويطوف به في الأسواق كما في "كشف الأسرار". وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وكان متكئًا فجلس، فقال -: ألا وقول الزور، أو شهادة الزور"، فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه.

{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ}؛ أي: بمجالس اللغو واللهو والباطل {مَرُّوا كِرَامًا}؛ أي: مروا بها معرضين عنها، مسرعين مكرمين أنفسهم بترك الالتفات إليها، منزّهين لها عن هذه المجالس السيئة، يقال: فلان يكرم نفسه عما يشينه؛ أي: يتنزه عن الدخول في اللغو والاختلاط بأهله. واللغو: كل ساقط من قول أو فعل. قال الحسن: اللغو المعاصي كلها. والمعنى: مرّوا معرضين عنه، مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه، والخوض فيه، ومن ذلك الإغضاء عن الفواحش، والصفح عن الذنوب، والكناية عما يستهجن التصريح به.

وحاصل معنى الآية: أي والذين لا يؤدّون الشهادات الكاذبة، ولا يساعدون أهل الباطل على باطلهم، ويكرمون أنفسهم عن سماع اللغو وما لا خير فيهِ كاللغو في القرآن، وشتم الرسول، والخوض فيما لا ينبغي. ونحو الآية قوله:


(١) روح البيان.