للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما رآه، فإذا أخذه، وأراد أن ينتفع به ينكسر ويفنى.

والمعنى: أي وما هذه الحياة الدنيا إلا متاع فإني زائل خادع من ركن إليه، واغتر به، وأعجبه حتى اعتقد أن لا دار سواها، ولا معاد وراءها، واطمأن بها ولم يجعلها ذريعة إلى الآخرة، وأما من اشتغل بطلب الآخرة .. فهي له متاع بلاغ إلى ما هو خير منها، وهي الجنة، والدنيا غير مقصودة لذاتها بل لأجر الآخرة، وفي الحديث: نعم المال الصالح للرجل الصالح" فما شغل العبد عن الآخرة .. فهو من الدنيا، وما لا .. فهو من الآخرة.

٢١ - وهذه (١) الجملة مقررة للمثل المتقدم ومؤكدة له. ولما أبان أن الآخرة قريبة، وفيها العذاب الأليم، والنعيم حث على المبادرة إلى فعل الخيرات، فقال: {سَابِقُوا}؛ أي: سارعوا أيها الناس مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار، وهو الميدان. {إِلَى مَغْفِرَةٍ} عظيمة كائنة {مِنْ رَبِّكُمْ} ومالككم، أي: سارعوا إلى أسبابها وموجباتها كالاستغفار وسائر الأعمال الصالحة؛ أي: بحسب وعد الله، وإلا فالعمل نفسه غير موجب، وفي دعائه - صلى الله عليه وسلم - "أسألك عزائم مغفرتك أي: أن توفقني للأعمال التي تغفر لصاحبها لا محالة، ويدخل فيها المسابقة إلى تكبيرة الإحرام مع الإِمام، قاله مكحول. وقيل: المراد الصف الأول، ولا وجه لتخصيص ما في هذه الآية بمثل هذا بل هو من جملة ما تصدق عليه صدقًا شموليًّا أو بدليًّا.

{وَ} إلى {جَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: كعرض سبع سماوات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض على أن يكون اللام في {السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} للاستغراق، وإذا كان عرضها كذلك فما ظنك بطولها؛ فإن طول كل شيء أكثر من عرضه. وفي "البحر": {عَرْضُهَا}؛ أي: مساحتها في السعة اهـ. ويقال: هذا التشبيه (٢) تمثيل للعباد بما يعقلون، وبما يقع في نفوسهم من مقدار السماوات والأرض، وتقديم المغفرة على الجنة لتقدم التخلية على التحلية، وقيل: المراد بالجنة التي عرضها هذا العرض هي جنة كل واحد من أهل الجنة، وقال ابن كيسان: عني به: جنة واحدة من الجنات؛ أي: سابقوا أقرانكم في مضمار الأعمال الصالحة، وأدوا ما كلفتم به من أوامر الشريعة، واتركوا نواهيها يدخلكم ربكم بما


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.