والأنعام، كلها مخلوقة لكم، ولولا احتياجكم للتعيش بهذه الأشياء، بل بجميع المخلوقات، ما خلقتها {إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكور من الشؤون والأفعال الإلهية، من جعل الأرض مهدًا، وسلك السبل فيها، وإنزال الماء، وإخراج أصناف النبات {لَآيَاتٍ} كثيرةً جليلةً واضحة الدلالة على الصانع ووحدته، وعظيم قدرته، وباهر حكمته {لِأُولِي النُّهَى}؛ أي: لأصحاب العقول الكاملة، الناهية عن الأباطيل التي من جملتها ما تدعيه الطاغية، وتقبله من الفئة الباغية، وتخصيص أولي النهى مع أنها آيات للعالميق باعتبار أنهم المنتفعون بها.
وحاصل معنى الآية: أي (١) وأنزل من السماء مطرًا، فأخرج به مختلف أنواع النبات، من زروع، وثمار حامضة وحلوة، وهي أيضًا مختلفة النفع، واللون، والرائحة، والشكلى، بعضها يصلح للإنسان، وبعضها يصلح للحيوان، وفي هذا بيان لنعمه على خلقه، بما يحدث لهم من الغيث، الذي يولد تلك المنافع
٥٤ - {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ}؛ أي: فأخرجنا أصناف النبات، قائلين لكم: كلوا وارعوا أنعامكم .. الخ، فشيء منها أعد لطعامكم وفاكهتكم، وشيء لأنعامكم قوتاً لها، أخضر ويابساً {إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: إن فيما وصفت لكم من قدرة ربكم، وعظيم سلطانه، لأدلة على وحدانيته، وأنه لا إله غيره، إذا كنتم من ذوى العقول الراجحة، والأفكار الثاقبة.
٥٥ - ولما ذكر سبحانه منافع الأرض والسماء .. بيَّن أنها غير مقصودة لذاتها، بل هي وسائل إلى منافع الآخرة، فقال:{مِنْهَا}؛ أي: من الأرض {خَلَقْنَاكُمْ} بوساطة خلق أبيكم آدم منها، وإلا فمَن عدا آدم وحواء مخلوق من النطفة، وأصل الخلق: التقدير المستقيم، ويُستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاءٍ، قال تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ويُستعمل في إيجاد الشيء من الشيء، كما في هذا المقام، وقيل في سبب خلقهم من الأرض: أنه إذا وقعت النطفة في الرحم .. انطلق الملك الموكل بالرحم، فيأخذ من تراب المكان الذي يُدفن فيه فيذره على النطفة، فيخلق الله الولد من النطفة، ومن ذلك التراب، وأيضًا إن تولد الإنسان، إنما هو من النطفة ودم الطمث، وهما يتولدان من