للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدين، فصاروا بتقطيع دينهم كأنهم قطع شتى، يلعن بعضهم بعضًا، ويتبرّأ بعضهم من بعض. وإنما قال هنا: {فَاعْبُدُونِ}، وفي المؤمنون: {فَاتَّقُونِ}؛ لأن الخطاب في هذه الآية للكفار، فأمرهم بالعبادة التي هي التوحيد. وفي سورة المؤمنين الخطاب للمؤمنين والرسل فأمرهم بالتقوى، اهـ كرخي.

قال الحسن البصري (١): في هذه الآية يبيّن لهم ما يتقون، وما يأتون، يريد أن هذا إخبار بالغيب بما سيكون منهم.

والخلاصة: أنهم قد غفلوا عما أمر به دينهم، من وجوب الاعتصام بوحدة الأمة ونبذ الفرقة، ففعلوا ضد هذا، وذاق بعضهم بأس بعض، وكان في هذا وبال للجميع، وتمكن عدوهم من أن يهيض جناحهم، ويبطش بهم، ويستعبدهم في عقر دارهم، ويسميهم الخسف والصَّغار، بعد أن كانوا سادة أحراراً، ولله الأمر من قبل، ومن بعد.

ثم توعدهم على ما فعلوا، فقال: {كُلٌّ} أي: كل واحدة من الفرق المتقطعة {إِلَيْنَا} لا إلى غيرنا {رَاجِعُونَ} بالبعث فنجازيهم حينئذٍ بحسب أعمالهم؛ أي: أنهم سيرجعون إلينا، ونجازيهم على تفرقهم واختلافهم شيعاً. وفي هذا إخبار بالغيب، بما سيحدث في هذه الأمة، التي ذاقت وبال أمرها، وعاقبة اختلافها، وكانت لقمة سائغة للآكلين، ونهبا مقسمًا بين الطامعين جزاء ما اجترحت من التفرق.

٩٤ - وبعد أن أبان أن افتراق الأمة واقع لا محالة، أردفه فتح باب الرجاء في لم شعثها واتفاقها بعد تفرقها، عسى أن تقوم من كبوتها، وترجع إلى وحدتها، وتصير لها الدولة والصولة، كما كانت في سالف عهدها، فقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ}؛ أي: من بعض الأعمال الصالحة، لا كلها إذ لا يطيق ذلك أحد. {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} بالله ورسله واليوم الآخر {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}؛ أي: لا جحود لعمله، ولا تضييع لجزائه، ولا حرمان لثواب عمله. وفي قراءة (٢) ابن


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.