وإضافة الربِّ إلى ضميرهم لتحقيق الحق، والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابًا، كما في"الإرشاد". وإنما أكَّده إظهارًا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط.
٢٦ - ثم ذكر مآل أمره، وما قاله حين وجد النعيم والكرامة، فقال:{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}؛ أي: قيل لحبيب النجار من جهة الرب جل جلاله حين قتلوه: ادخل الجنة إكرامًا له بدخولها حينئذ، كما هي سنة الله سبحانه في عباده الشهداء، وقيل: معناه: البشرى بدخول الجنة، وأنه من أهلها، يدخلها بعد البعث، لا أنه أمر بدخولها في الحال؛ لأن الجزاء بعد البعث، وعلى قول من قال: إنه رفع إلى السماء ولم يقتل .. يكون المعنى: أنهم لما أرادوا قتله .. نجاه الله من القتل، وقيل له: ادخل الجنة.
وإنما لم يقل: قيل له بزيادة لفظة: له؛ لأن الغرض بيان مقول، لا المقول له؛ لظهوره وللمبالغة في المسارعة إلى بيانه، والجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر نشأ عن حكاية حاله ومقاله، كأنه قيل: كيف كان بقاؤه عند ربه بعد ذلك التصلب في دينه، والتسخي بروحه لوجهه تعالى، فقيل: قيل له: ادخل الجنة، وكذا قوله تعالى:{قَالَ} الخ مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر نشأ من حكاية حاله، كأنه قيل: فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنية؟ فقيل: قال متمنيًا علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة من الكفر، والدخول في الإيمان والطاعة، جريًا على سنن الصالحين في كظم الغيظ، والترحم على الأعداء، وليعلموا أنهم على خفاء عظيم في أمره، وأنه كان على الحق، وأن عداوتهم لم تكسبه إلا سعادة؛ أي: فلما دخل الجنة وشاهدها قال حبيب النجار: {يَا لَيْتَ قَوْمِي}{يَا} في مثل هذا المقام لمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه؛ أي: انتبه أيها المخاطب، أتمنى أن قومي
٢٧ - {يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} {ما}: إما موصولة، والباء صلة {يَعْلَمُونَ}؛ أي: أتمنى علم قومي بالأمر الذي بسببه غفر لي ربي ذنوبي، وهو الإيمان به والطاعة أو: مصدرية، والباء: صلة العلم أيضًا؛ أي: أتمنى علم قومي بغفران ربي لذنوبي، أو استفهامية وردت على الأصل، وهو أن لا تحذف الألف بدخول الجار عليها، والباء: صلة غفر على هذا الوجه؛ أي: أتمنى علم قومي بأيِّ شيء غفر لي ربي ذنوبي، يريد تفخيم شأن المهاجرة عن ملتهم،