الإيمان عند تلاوة القرآن، والتوكل على الله - من أعمال القلوب، والصفتان الباقيتان من أعمال الجوارح، كما سترى قريبا.
واعلم: أنّه إذا كان الشرع والعقل حاكمين بأن للإنسان كسبا اختياريا كلفه الله العمل به، وأنه يجازى على عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر .. وجب على الإنسان أن يسعى في تدبير أمور نفسه بحسب ما وضعه الله تعالى في نظام الأسباب وارتباطها بالمسببات، وأنّ هذا الارتباط لم يكن إلا بتسخير الله تعالى وأما ما يناله باستعمالها فهو فضل من الله تعالى الذي سخرها وجعلها أسبابا، وعلمه ذلك، وأن ما لا يعرف له سبب يطلب به، فالمؤمن يتوكل على الله وحده، وإليه يتوجه فيما يطلبه منه، أما ترك الأسباب وتنكب سنن الله في الخلق .. فهو جهل بالله وجهل بدينه، وجهل بسننه التي لا تتبدل ولا تتحول.
٣ - والرابعة: ما ذكره بقوله: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} وهذا الموصول في محل رفع على أنّه وصف للموصول قبله، أو بدل منه، أو بيان له، أو في محل نصب على المدح، وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه، يعني: يقيمون الصلاة المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها؛ أي: يؤدونها مقومة كاملة في صورتها وأركانها الظاهرة من قيام، وركوع، وسجود، وقراءة، وذكر، وفي معناها وروحها الباطن من خشوع وخضوع، في مناجاة الرحمن، واتعاظ وتدبر في تلاوة القرآن، وبهذا كله تحصل ثمرة الصلاة من الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.
والخامسة: ما ذكره بقوله: {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}؛ أي: وينفقون بعض ما رزقناهم في وجوه البر، من الزكاة المفروضة، والحج والجهاد، والنفقات الواجبة والمندوبة للأقربين، والمحتاجين، وفي مصالح الأمة ومرافقها العامة، التي بها يعلو شأنها بين الأمم، ويكون عليه تقدمها وعمرانها.
٤ - {أُولئِكَ} الموصوفون بالصفات الخمس المذكورة {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ} إيمانا {حَقًّا} لا شك في إيمانهم؛ لأنهم حققوا إيمانهم بضم الأعمال القلبية والقالبية إليه.