لفقدهم الاستعداد للإيمان، وهؤلاء سيعذبهم في الدنيا، ويخزيهم وينصركم عليهم، ويجزيهم في الآخرة بأعمالهم، لفسادهم وسوء معتقداتهم.
٤١ - ثم أمر الله سبحانه وتعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول لهم بالبراءة بينه وبينهم إن أصروا على تكذيبه واستمروا عليه فقال:{وَإِنْ كَذَّبُوكَ}؛ أي: وإن أصروا على تكذيبك يا محمَّد {فَقُلْ} لهم {لِي عَمَلِي}؛ أي: جزاء عملي، وهو البلاغ والإنذار والتبشير، وما أنا بمسيطر ولا جبار {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ}؛ أي: جزاء عملكم من الشرك والظلم والفساد، الذي تجزون به يوم الحساب، فقد أبلغت إليكم ما أمرت بإبلاغه، وليس عليَّ غير ذلك، والمعنى: وإن تمادوا على تكذيبك، فتبرأ منهم، فقد أعذرت وبلغت. ثم أكد هذا بقوله:{أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ}؛ أي: لا تؤاخذوا بعملي {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}؛ أي: ولا أؤاخذ بعملكم، وهذا مثل قوله:{قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ}. وقد قيل: إن هذا منسوخ بآية السيف، كما ذهب إليه جماعة من المفسرين. وقال المحققون منهم: ليست بمنسوخة
٤٢ - {وَمِنْهُمْ}؛ أي: ومن هؤلاء المشركين المكذبين {مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}؛ أي: ناس يصيخون إليك بأسماعهم الظاهرة إذا قرأت القرآن، أو بينت ما فيه من أصول الشرائع والأحكام، ولكنهم لا يسمعون في الحقيقة، إذ يستمعون لعدم حصول أثر السماع، وهو حصول القبول، والعمل بما يسمعونه، فهم لا يتدبرون القول، ولا يتفقهون ما يراد منه، بل جل همهم أن يتسمعوا غرابة نظمه وجرس صوته، بترتيله كمن يستمع إلى الطائر، يغرد على غصن الشجرة ليتلذذ بصوته، لا ليفهم ما يغرد به. وقد وصف الله سبحانه وتعالى حالهم في آي أخرى فقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢)} وقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}.
والآن نرى من المسلمين، من يستمع إلى قراءة القرآن، من قارئ حسن الصوت، أو من آلات اللهو العصرية، للتلذذ بترتيله، وتوقيع صوته، لا لينتفع بعظاته وعبره، ولا ليفهم عقائده وأحكامه، وجمع الضمير في {يَسْتَمِعُونَ} حملًا