٤٨ - ثم بين وظيفة الرسل، فقال:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا} حالة كونهم {مُبَشِّرِينَ} من آمن بهم بالجنة {وَمُنْذِرِينَ} من كفر بالعذاب، ولا قدرة لهم على إظهار المعجزات، بل ذلك مفوض إلى مشيئة الله تعالى؛ أي: وما نرسل المرسلين إلا ببشارة أهل الطاعة بالفوز بالجنة جزاء وفاقًا على طاعتهم، وبإنذار من أصر على الشرك والإفساد في الأرض بالعذاب؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حييَّ عن بينة. {فَمَنْ آمَنَ} وصدق من أرسلناه إليه من رسلنا {وَأَصْلَحَ}؛ أي: أصلح اعتقاده وعمله بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من عذاب الدنيا الذي ينزل بالمكذبين الجاحدين، ولا من عذاب الآخرة الذي أعده الله تعالى للكافرين {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} بفوات ما بشروا به من الثواب العاجل والآجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحفظهم من كل فزع وهول، كما قال سبحانه: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)}، وكذلك هم لا يحزنون في الدنيا كحزن المشركين في شدته وطول مدته، فإذا عرض لهم الحزن بسبب صحيح؛ لموت ولد أو قريب، أو فقد مال أو قلة نصير، يكون حزنهم مقرونًا بالصبر وحسن الأسوة، فلا يضرهم في أنفسهم ولا في أبدانهم، ولا يغير شيئًا من أخلاقهم وعاداتهم، فالإيمان يعصمهم من عنت البأساء وبطر النعماء، مسترشدين بنحو قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣)}.
٤٩ - {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} التي أرسلنا بها رسلنا، ويبلغونها إلى الأمم {يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ}؛ أي: يصيبهم العذاب في الدنيا أحيانًا عند الجحود والعناد، وفي الآخرة على سبيل الدوام والاطراد {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}؛ أي: بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعتنا جزاء كفرهم وإفسادهم وخروجهم عن أمر الله وطاعته، وارتكابهم مناهيه ومحارمه، وهذه الجملة مقابل لقوله:{فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ} فكأنه قال: ومن لم يؤمن يمسهم العذاب.