للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به التقريب، فهو كقول القائل: عاش فلان مئة سنة، فقد يُتوهم السامع أنه يريد مئة سنة تقريبًا لا تحقيقًا. فإن قال: مئة سنة إلا شهرًا .. زال ذلك التوهم وفُهم منه التحقيق، الاستثناء من الألف استُدل به على جواز الاستثناء من العدد، وفي كونه ثابتًا من لسان العرب خلاف مذكور في النحو، وقد عمل الفقهاء المسائل على جواز ذلك.

ومعنى الآية (١): فلبث بين أظهرهم تسع مئة وخمسمين سنة يخوِّفهم من عذاب الله، ولا يلتفتون إليه، وإنما ذكر الألف تخييلًا لطول المدة إلى السامع؛ أي: ليكون أفخم في أذنه، ثم أخرج منها الخمسين إيضاحًا لمجموع العدد.

والفاء في قوله: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} للتعقيب؛ أي: أغرقهم عقيب تمام، المدة المذكورة الماء الكثير، المحيط بهم، المرتفع على أعلى جبل أربعين ذراعًا، أو خمسة عشر ذراعًا. {وَهُمْ ظَالِمُونَ}؛ أي: والحال أنهم مستمرون على ظلمهم وكفرهم.

قال ابن عباس: مشركون، والطوفان - كما سيأتي - يُطلق على كل ما يطوف بالشيء ويحيط به، على كثرة وشدة وغلبة، من السيل والريح والظلام والقتل والموت والطاعون والجدري والحصبة والمجاعة، وقد غلب على طوفان الماء، وقد طاف الماء ذلك اليوم بجميع الأرض، والحال أنهم مستمرون على الظلم والكفر، لم يستمعوا إلى داير الحق هذه الدة المتمادية، ولم ينجع فيهم ما وعظهم به نوح، وذكَّرهم هذه المدة بطولها

١٥ - {فَأَنْجَيْنَاهُ}؛ أي: فأنجينا نوحًا من الغرق والابتلاء بمشاق الكفرة {وَ} أنجينا {أَصْحَابَ السَّفِينَةِ} أي: ومن ركب معه فيها من أولاده وأتباعه.

واختُلف في عددهم على أقوال: قيل (٢): كانوا ثمانين، وقيل: ثمانيةً وسبعين، وقيل: عشرة، نصفهم ذكور ونصفهم أناث. {وَجَعَلْنَاهَا}؛ أي: السفينة {آيَةً لِلْعَالَمِينَ}؛ أي: عبرةً عظيمةً لمن بعدهم من الأهالي يتعظون بها، أو دلالة


(١) روح البيان.
(٢) البيضاوي.