للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكلياتها، فأحل ما أحله هو من أكل لحوم الإبل وألبانها، ودعا إلى التوحيد والبراءة من كل معبود سوى الله، وما كان إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه إلا على هذا الدين.

٩٦ - {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ}؛ أي: بنى متعبدًا {لِلنَّاسِ}؛ أي: بني لعبادات الناس ربهم سبحانه وتعالى {لَلَّذِي بِبَكَّةَ}؛ أي: للبيت الذي هو ببكة؛ أي: بمكة، سميت مكة بكة؛ لأنه يبك بعضهم فيها بعضًا؛ أي: يزدحمون في الطواف. وسميت مكة؛ لأنها تمك من ظلم فيها؛ أي: تهلكه؛ والمعنى: إن أول بيت وضعه الله، وجعله موضعًا للطاعات، والعبادات، وقبلة للصلاة، وموضعًا للحج وللطواف، تزداد فيه الخيرات، وثواب الطاعات هو الذي بكة.

وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول مسجد وضع في الأرض، قال: "المسجد الحرام قلت: ثم أيُّ؟ قال: المسجد الأقصى. قال: قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عامًا، ثم الأرض لك مسجد، فحيثما أدركت الصلاة فصلِّ". متفق عليه، زاد البخاري: "فإن الفضل فيه"؛ أي: إنِّ آدم بنى الكعبة، ثم بنى بيت المقدس، وبين بنائهما أربعون سنة.

وهذه الآية (١) ردٌّ لشبهة اليهود، أنَّ بيت المقدس أفضل من الكعبة، وأحق بالاستقبال، فهو قد وضع قبلها، وهو أرض المحشر. وقيل: المعنى: إن البيت الذي نستقبله في صلاتنا هو أول بيت وضع متعبدًا للناس، بناه إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام للعبادة، ثم بني المسجد الأقصى بعد ذلك بعدة قرون، بناه سليمان عليه السلام سنة (١٠٠٥) قبل الميلاد، فكان جعله قبلة أَوْلى. وبذا يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - على ملة إبراهيم، ويتوجه بعبادته إلى حيث كان يتوجه إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليه وعليهما.

والخلاصة: أنَّ أول بيوت العبادة الصحيحة التي بناها الأنبياء هو البيت الحرام، فليس في الأرض موضع بناه الأنبياء أقدم منه فيما يؤثر من تواريخهم،


(١) المراغي.