ما تبعون فيما أنتم عليه إلا الظن الباطل الذي لا يغني من الحق شيئا {وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}؛ أي: وما أنتم في ذلك إلا تكذبون على الله تعالى؛ أي: أنكم لستم على شيء من العلم، بل ما تتبعون في عقائدكم وآرائكم في الدين والعمل به إلا الحدس والتخمين الذي لا يستقر عنده حكم.
١٤٩ - وبعد أن نفى عنهم درجات العلم .. أثبت لذاته الحجة البالغة التي لا تعلوها حجة، فقال:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين إن لم تكن لكم حجة {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ}؛ أي: الواضحة التي تقطع عذر المحجوج، وتزيل الشك عمن نظر فيها؛ وهي إرسال الرسل وإنزال الكتب.
والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء الجاهلين بعد تعجيزك إياهم عن أن يأتوا بأدنى دليل أو قول يرقى إلى أضعف درجة من العلم: إن لم يكن عندكم علم في أمر دينكم .. فإن لله وحده أعلى درجات العلم، وله الحجة البالغة على ما أراد من إحقاق الحق وإزهاق الباطل بما بينه في هذه السورة وغيرها من الآيات البينات على أصول العقائد، وقواعد التشريع الموافقة للعقول الحكيمة والفطر السليمة، وسننه في الاجتماع البشري، ولا يهتدي بهذه الآيات إلا المستعد للهداية المحب للحق الحريص على طلبه الذي يستمع القول فيتبع أحسنه دون من أعرض عن النظر فيها استكبارا عنها، وحسدا للمبلغ الذي جاء بها وجمودا على تقليد الآباء واتباع الرؤساء {فَلَوْ شاءَ} سبحانه وتعالى هدايتكم جميعا إلى الحجة البالغة {لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ} ولكن لم يشأ هداية الكل بل هداية البعض.
أو المعنى: ولو شاء سبحانه وتعالى أن يهديكم بغير هذه الطريق التي أقام أمر البشر عليها؛ وهي التعليم والإرشاد بطريق النظر والاستدلال .. لهداكم أجمعين، فجعلكم تؤمنون بالفطرة كالملائكة المفطورين على الحق والخير جل شأنه. وفيه دليل على أن الله سبحانه وتعالى لم يشأ إيمان الكافر، ولو شاء هدايته لهداه: {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)}. ونحو هذه الآية قوله تعالى:{وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا} وقوله: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقوله: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} وقوله: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي