للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَرَبُّكَ} يا محمد يعلم {مَا تُكِنُّ}؛ أي: تضمر وتخفي {صُدُورُهُمْ}؛ أي: قلوبهم من الشرك أو من عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحقد المؤمنين، {وَمَا يُعْلِنُونَ}؛ أي: يظهرون بألسنتهم وجوارحهم كالطعن في النبوة وتكذيب القرآن.

قرأ الجمهور (١): {تُكِنُّ} بضم التاء الفوقية وكسر الكاف، وقرأ ابن محيصن وحميد بفتح الفوقية وضم الكاف، أي: إن اختياره من يختار منهم للإيمان مبني على علم منه بسرائر أمورهم وبواديها، فيختار للخير أهله، فيوفقهم له، ويولي الشر أهله، ويخليهم وإياه. ونحو الآية قوله: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠)}.

٧٠ - ولما كان علمه بذلك جاء من كونه إلهًا واحدًا فردًا صمدًا، وكان غيره لا يعلم من علمه إلا ما علمه، قال: {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {اللَّهُ}؛ أي: المستحق للعبادة {لَا إِلَهَ}؛ أي: لا أحد يستحقها {إِلَّا هُوَ} سبحانه جل وعلا.

وفي "التأويلات النجمية": {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا} يصلح للألوهية {إِلَّا هُوَ} وهو المتوحد بعز إلهيته، المتفرد بجلال ربوبيته، لا شبيه يساويه، ولا نظير يضاهيه، فلا معبود سواه، ولا يحيط الواصفون بكنه عظمته وهو العليم بكل شيء، القادر على كل شيء.

ثم ذكر بعض صفات كماله، فقال: {لَهُ الْحَمْدُ} استحقاقًا على عظمته والشكر استيجابًا على نعمته، {فِي الْأُولَى}؛ أي: في الدنيا {و} في {الْآخِرَةِ}؛ أي (٢): هو المحمود في جميع ما يفعل في الدنيا والآخرة؛ لأنه المعطي لجميع النعم كلها عاجلها وآجلها، والمفيض لها على الخلق كافة، يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}، وبقولهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ}. ابتهاجًا وفرحًا بفضله، والتذاذًا بحمده؛ أي: بلا كلفة.

{وَلَهُ الْحُكْمُ} فيما يخلق ويختار، ويعز ويدل، ويحيي ويميت؛ أي: له


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.