أحدهما: أنه لو كان مسرفًا كذابًا .. لما هداه الله تعالى إلى البينات، ولما أيده بتلك المعجزات.
وثانيهما: أنه إن كان كذلك .. خذله الله تعالى وأهلكه، فلا حاجة لكم إلى قتله، ولعله أراهم وهو عاكف على المعنى الأول لتلين شكيمتهم، وقد عرّض به لفرعون, لأنه {مُسْرِفٌ} حيث قتل الأبناء بلا جرم {كَذَّابٌ} حيث ادعى الألوهية، لا يهديه الله سبيل الصواب، ومنهاج النجاة، بل يفضحه ويهدم أمره،
٢٩ - ولما أقام مؤمن آل فرعون أنواع الدلائل على أنه لا يجوز الإقدام على قتل موسى .. خوفهم في ذلك بعذاب الله تعالى فقال:{يَا قَوْمِ}؛ أي: يا قومي {لَكُمُ الْمُلْكُ} والسلطان {الْيَوْمَ} حال كونكم {ظَاهِرِينَ} أي غالبين عالين على بني إسرائيل والعامل في الحال وفي قوله: {الْيَوْمَ} ما تعلق به لكم {فِي الْأَرْضِ}؛ أي: أرض مصر، لا يقاومكم أحد في هذا الوقت، ومعنى الظهور: الاستعلاء على الناس والغلبة عليهم.
{فَمَنْ يَنْصُرُنَا} ويمنعنا ويحفظنا {مِنْ بَأْسِ اللَّهِ}؛ أي: من سطوته وأخذه وعذابه، ويحول بيننا وبينه {إِنْ جَاءَنَا} وحل بنا، وفي هذا (١) تحذير منه لهم من نقمة الله بهم، وإنزال عذابه عليهم، والاستفهام فيه: إنكاري؛ أي: لا ناصر لنا؛ أي: فلا تفسدوا أمركم، ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله، فإنه إن جاءنا .. لم يمنعنا منه أحد.
وإنما نسب ما يسرهم من الملك والظهور في الأرض إليهم خاصةً، ونظم نفسه في سلكهم فيما يسوْءُهم من مجيء بأس الله سبحانه؛ تطييبًا لقلوبهم، وإيذانًا بأنه ناصح لهم، ساع في تحصيل ما يجديهم، ودفع ما يرديهم سعيه في حق نفسه، ليتأثروا بنصحه.
ولما سمع فرعون ما قاله هذا الرجل من النصح .. جاء بمراوغة يوهم بها قومه أنه لهم من النصيحة والرعاية بمكان مكين، وأنه لا يسلك بهم إلا مسلكًا يكون فيه جلب النفع لهم، ودفع الضر عنهم، كما حكى سبحانه عنه بقوله: {قَالَ