وكما في قوله تعالى:{وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}؛ أي: جميعه، وفي قوله:{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ}؛ أي: بكلها، كما في "كشف الأسرار" وقال أبو الليث: {بَعْضُ} هنا: صلة يريدُ يُصِبْكم الذي يعدم.
وعبارة "فتح الرحمن" هنا: وإن قلت: كيف قال المؤمن ذلك في حق موسى عليه السلام، مع أنه صادق عنده وفي الواقع، ويلزم منه أن يصيبهم جميع ما وعدهم لا بعضه فقط؟.
قلت: كلمة {بَعْضُ}: صلة، أو هي بمعنى كل، كما قيل به في البيتين السابقين وفي الآيتين، أو ذكر البعض تنزلًا وتلطفًا بهم، مبالغًا في نصحهم، لئلا يتهموه بميل ومحاباة، أو هي باقية على معناها, لأنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا، والعذاب في الآخرة، فهلاكهم في الدنيا بعض ما وعدهم به.
والمعنى: أي إن كان كاذبًا في قيله: أن الله أرسله إليكم ليأمركم بعبادته، وترك دينكم الذي أنتم عليه .. فإنما إثم كذبه عليه دونكم، وإن يك صادقًا في قيله ذلك .. أصابكم الذي أوعدكم به من العقوبة على مقامكم على الدين الذي أنتم عليه مقيمون، فلا حاجة بكم إلى قتله فتسخطوا ربكم سخطين: سخطًا على الكفر، وسخطًا على قتل رسوله، وفي قوله:{بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} مبالغة في التحذير، فإنه إذ حذرهم من بعض العذاب .. أفاد أنه مهلك مخوف، فما بال كله إلى ما فيه من الإنصاف وإظهار عدم التعصب. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} وهذا من تمام كلام الرجل المؤمن، والمسرف: هو الذي يتجاوز الحد في المعصية، أو هو السفاك للدم بغير حق، والكذاب: هو الذي يكذب مرةً بعد أخرى، وقيل: هو الكذاب على الله سبحانه, لأن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، وهو احتجاج آخر ذو وجهين: