نفسه: أينبغي لكم أن تقتلوا رجلًا ما زاد على أن قال: ربي الله، وقد جاءكم بشواهد دالة على صدقه، ومثل هذه المقالة لا تستدعي قتلًا، ولا تستحق عقوبةً، فاستمع فرعون لكلامه، وأصغى لمقاله، وتوقف عن قتله.
وخلاصة ذلك: أترتكبون هذه الفعلة، القبيحة الشنعاء وهي قتل النفس المحرمة من غير روية ولا تأمل ولا اطلاع على سبب يوجب قتله، وما لكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق، وهي قوله: ربي الله، ثم أخذهم الرجل المؤمن بالاحتجاج من باب الاحتياط، بإيراده في صورة الاحتمال من الظن بعد القطع يكون قتله منكرًا، فقال:{وَإِنْ يَكُ} الرجل الذي تريدون قتله {كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} لا يتخطاه وبال كذبه وضرره، فيحتاج في دفعه إلى قتله؛ يعني: أن الكاذب إنما يقتل إذا تعدى ضرر كذبه إلى غيره، كالزنديق الذي يدعو الناس إلى زندقته، والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته، وهذا لا يقدر على أن يحمل الناس على قبول ما أظهره من الدين، لكون طباع الناس آبية عن قبوله، ولقدرتكم على منعه من إظهار مقالته ودينه {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا} في قوله فكذبتموه وقصدتم له بسوء {يُصِبْكُمْ} ويحل بكم {بَعْضُ} العذاب {الَّذِي يَعِدُكُمْ} ويخبركم بوقوعه عليكم، وهو عذاب الدنيا، فكان الأولى على كلا التقديرين إبقاءه حيًا.
والحاصل: أن المقصود بيان أنه لا حاجة إلى قتله، بل يكفيكم أن تعرضوا عنه، وأن تمنعوه عن إظهار دينه.
أي (١): إن لم يصبكم كله فلا أقل من إصابة بعضه، وفي بعض ذلك كفاية لهلاكهم، فذكر البعض ليوجب الكل، لا أن البعض هو الكل، وحذفت النون من يكن في الموضعين؛ تخفيفًا لكثرة الاستعمال، كما قاله سيبويه، وهذا كلام صادر عن غاية الإنصاف وعدم التعصب، ولذلك قدم من شِقَّي الترديد كونه كاذبًا، وصرح بإصابة البعض دون الجميع، مع أن الرسول صادق في جميع ما يقوله، وإنما الذي يصيب بعض ما يعده دون بعض هم الكهان والمنجمون، ويجوز أن يكون المعنى: يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا، وهو بعض ما يعدهم, لأنه كان يتوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة، كأنه خوّفهم بما هو ظهر احتمالًا عندهم. وفي "عين المعاني":