مكث ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه حياء من الله. وروي أن الله تعالى: تاب على آدم في يوم عاشوراء.
قالوا: لو أن دموع أهل الأرض جمع، لكانت دموع داود أكثر حيث أصاب الخطيئة، ولو أن دموع داود، ودموع أهل الأرض جمع، لكانت دموع آدم أكثر حيث أخرجه الله من الجنة، فإذا كان حال من اقترف خطيئة دون صغيرة هذا، فكيف حال من انغمس في بحر العصيان، والتوبة بمنزلة الصابون، فكما أن الصابون يزيل الأوساخ الظاهرة، فكذا التوبة تزيل الأوساخ الباطنة، والعبد إذا رجع عن السيئة وأصلح عمله، أصلح الله شأنه وأعاد عليه نعمته الفائتة.
قلت: وما أوردوه في قصة هبوط آدم وحواء من الجنة، وما يتعلق به، قد نقلوا أكثره من الإسرائيليات التي لا يصح شيء منها عند النّقدة من أهل العلم، ورجال الدين.
فإن قلت: كيف يصح عصيان آدم ثم توبته، مع أن الأنبياء معصومون؟
قلت: أجيب عنه بثلاثة أجوبة:
١ - أن المخالفة التي صدرت منه كانت قبل النبوة، والعصمة إنما تكون عن مخالفة الأوامر بعدها.
٢ - أن الذي وقع منه كان نسيانا؛ فسمي عصيانا تعظيما لأمره، والنسيان والسهو لا ينافيان العصمة.
٣ - أن ذلك من المتشابه، كسائر ما جاء في القصة مما لا يمكن حمله على ظاهره، ويجب تفويض أمره إلى الله تعالى، كما هو رأي
سلف الأمة، أو هو من باب التمثيل، كما هو رأي الخلف.
٣٨ - {قُلْنَا اهْبِطُوا}؛ أي: انزلوا {مِنْها}؛ أي: من الجنة إلى الأرض حالة كونكم {جَمِيعًا} نصب على الحال من ضمير الجمع؛ تأكيد في المعنى للجماعة من آدم، وحواء، وإبليس، والحية، وكأنه قيل: اهبطوا أنتم أجمعون، ولذلك لا يستدعي اجتماعهم على الهبوط في زمان؛ أي: اهبطوا منها حال كونكم مجتمعين