للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كلمات، يدعو بها لتكون سببا ووسيلة له، ولأولاده إلى التوبة، وتلك الكلمات مبيّنة في (سورة الأعراف) بقوله تعالى: {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} الآية. وقرأ ابن كثير بنصب آدم، ورفع كلمات، والمعنى: استقبلت آدم، وجاءته من ربه كلمات كانت سببا لتوبته {فَتابَ عَلَيْهِ}؛ أي: فقبل منه ربه التوبة، وتفضل عليه بالرحمة، ورجع عليه بالقبول، وأصل التوب الرجوع، فإذا وصف به العبد، كان رجوعا عن المعصية إلى الطاعة، وإذا وصف به البارىء، أريد به الرجوع عن العقوبة إلى المغفرة، والفاء للدلالة على ترتبه، على تلقي الكلمات المتضمن لمعنى التوبة، وتمام التوبة من العبد بالندم على ما كان، وبترك الذنب الآن، وبالعزم على أن لا يعود إليه في مستأنف الزمان، وبردّ مظالم العباد، وبإرضاء الخصم بإيصال حقه إليه باليد، والاعتذار عنه باللسان واكتفى بذكر (١) آدم عليه السلام؛ لأن حواء كانت تابعة له في الحكم، ولذلك طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنن {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى: {هُوَ التَّوَّابُ}؛ أي: الرجاع على عباده بالمغفرة، أو كثير القبول لتوبة عباده، أو الذي يكثر إعانتهم على التوبة {الرَّحِيمُ}؛ أي: كثير الرحمة لعباده، وفي الجمع بين الوصفين، وعد بليغ للتائب بالإحسان مع العفو والغفران، والجملة تعليل؛ لقوله: {فَتابَ عَلَيْهِ}.

وقرأ الجمهور (٢): {إِنَّهُ} بكسر الهمزة، وقرأ نوفل بن أبي عقرب {أنه} بفتح الهمزة، ووجهه: أنه فتح على التعليل، والتقدير: لأنه، فالمفتوحة مع ما بعدها فضله، إذ هي في تقدير مفرد ثابت واقع مفروغ من ثبوته، لا يمكن فيه نزاع منازع، وأما الكسر، فهي جملة ثابتة تامة، أخرجت مخرج الإخبار المتقبل الثابت.

وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما (٣) - قال: بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة، ولم يأكلا، ولم يشربا أربعين يوما، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة، وقال شهر بن حوشب: بلغني أن آدم لما هبط إلى الأرض،


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.