للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقف على معاني كلام العرب، وذلك أنه تعالى بيَّن كون المشركين مفتونين بشركهم متهالكين في حبه، فذكر أن عاقبة كفرهم وشركهم الذي لزموه طول أعمارهم، وقاتلوا عليه، وافتخروا به، وقالوا: إنه دين آبائنا، لم تكن إلا جحوده، والتبرؤ منه، والحلف على عدم التدين به، ونظير هذا في اللغة أنك ترى إنسانًا يحب شخصًا غاويًا مذموم الطريقة، فإذا وقع في هلكة بسببه .. تبرأ منه فيقال له: ما كانت محبتك - عاقبة محبتك - لفلان إلا أن تبرأت منه وتركته انتهى. وعلى هذا فالفتنة: هي شركهم في الدنيا كما فسرها ابن عباس، ويكون في الكلام تقدير مضاف هو كلمة: عاقبة كما قدمنا ذلك. وقيل (١): المراد بالفتنة هنا: جوابهم؛ أي: لم يكن جوابهم إلا الجحود والتبرؤ، فكان هذا الجواب فتنة لكونه كذبًا.

وقرأ الجمهور (٢): {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي بالياء: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ}. وقرأ أبي وابن مسعود والأعمش: {وما كان فتنتهم}. وقرأ طلحة وابن مطرف: {ثم ما كان}. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص: {فِتْنَتُهُمْ} بالرفع. وقرأت فرقة: {ثم لم يكن} بالياء، و {فتنتهم} بالرفع، وإعراب هذه القراءات واضح، والبخاري منها على الأشهر قراءة: {ثم لم يكن فتنتهم} بالياء بالنصب؛ لأن أن مع ما بعدها أجريت في التعريف مجرى المضمر، وإذا اجتمع الأعرف وما دونه في التعريف .. فذكروا أن الأشهر جعل الأعرف هو الاسم، وما دونه هو الخبر، ولذلك أجمعت السبعة على ذلك في قوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا} وفي قوله: {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا}. وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين: {وَاللهِ رَبِّنَا} برفع الاسمين، قال ابن عطية: وهذا على التقديم والتأخير؛ أي: قالوا: ما كنا مشركين، والله ربنا. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: {ربَّنا} بنصبه على النداء، أو المدح، والباقون بالكسر.

٢٤ - {انْظُرْ} يا محمد؛ أي: فكر وتأمل بعين البصيرة إلى حال هؤلاء المشركين


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.