وفيه إشارة إلى عروض الهم والحزن له، لهلاك قومه بالعذاب، فَانْظُر إلى التفاوت بين إبراهيم، ولوط، وبين قومهما حيث كان مجيؤهم لإبراهيم للمسرة، وللوط للمساءة، مع تقديم المسرة, لأنَّ رحمةَ الله سابقة على غضبه. وروي أنَّ الله تعالى قال لهم: لا تهلكوهم حتى يشهدَ عليهم لوط أربعَ شهادات، فلما أَتَوْا إليه، قال لهم: أما بلغكم أمر هذه القرية، قالوا: وما أمرها؟ قال: أشهدُ بالله إنها لشر قرية في الأرض عملًا يقول ذلك أربع مرات، فدخلوا منزلَه، ولم يعلم بذلك أحَدٌ. {وَقَالَ} لوط {هَذَا} اليوم {يَوْمٌ عَصِيبٌ}؛ أي: شديد عليّ، وهو لغة جرهم كما في "ربيع الأبرار"؛ أي: هذا يوم شديد شَرُّه عظيم بلاؤه. ثُم قال لوط لامرأته: ويحك قومِي فاخبِزِي للضيف، ولا تعلِمي أحدًا. وكانت امرأته كَافِرَةً منافِقَةً، فانطلقَتْ لطلب بعض حَاجَتِها، فجَعَلَت لا تدخل على أحد إلا أخبرَتْه، وقالت: إنَّ في بيت لوط رجالًا ما رأيت أحسنَ وُجوهًا منهم، ولا أنظَفَ ثيابًا، ولا أطيبَ رائحةً. فلمَّا علموا بذلك جاؤوا إلى باب لوط، مُسْرِعين،
٧٨ - فذلك قوله تعالى:{وَجَاءَهُ}؛ أي: وجاءَ لوطًا، وهو في بيته مع أضيافه {قَوْمُهُ}، والحال أنهم {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}؛ أي: يُساقون إليه، ويسرعون إليه، ويَسُوقُ بعضهم بعضًا، كأنما يُدْفَعون دفعًا طلبًا للفاحشة من أضيافه، غافلينَ عن حالهم جاهلينَ بمآلهم. والإهراع: الإسراع يقال: أَهْرَعَ القَوْمُ، وهَرَعُوا. وقرأ الجمهور:{يُهْرَعُونَ} مبنيًّا للمفعول مِن أُهْرعَ، أي: يُهْرِعُهم الطَّمعُ وقرأت فرقة: (يهرعون) بفتح الياء من هرع الثلاثي. وجملة قوله:{وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} حال أيضًا من {قومه}؛ أي: جاؤوا مسرعين، والحال أنهم كانوا من قبل هذا الوقت، وهو وقت مجيئهم إلى لوط منهمكين في عمل الفواحش واللواطِ، فتمرَّنوا بها؛ أي: تَعَوَّدوا، واستمروا عليها حتى لم تُعَبْ عندهم قباحتها, ولذلك لم يستحيوا مما فعلوا من مجيئهم مهرِعينَ مجاهرينَ. وقيل: ومن قبل لوط كانوا يعملونَ السيئات.
وفي "التأويلات النجمية" كانوا يعملون السيئات الموجبةَ للهلاك والعذابِ فجاؤوا مسرعينَ مستقبلي العذابِ، وطلبوا من بيت النبوة من أهل الطهارة معاملةً ساءتهم بخيانة نفوسهم، ليستحقوا بذلك كمالَ الشقاوة، وسرعةَ العذاب، انتهى.