ويتبع هذا أولوية الشرف والتعظيم. ثم ذكر فضائل أربعة:
الأول منها ذكره بقوله:{مُبَارَكًا}؛ أي: حالة كونه ذا بركة، وخير كثير؛ لأنه قد أفيض عليه من بركات الأرض، وثمرات كل شيء مع كونه بواد غير ذي زرع، كما قال تعالى:{يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} فترى الأقوات والثمار في مكة كثيرة جيدة، وأقل ثمنًا من كثير من البلاد ذوات الخيرات الوفيرة، كمصر والشام، وكل هذا ببركة دعوة إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي} الآية.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام". متفق عليه.
وذكر الثاني منها بقوله:{وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}؛ أي: وحالة كونه هدى؛ أي: قبلة لكل نبي، ورسول وصديق، ومؤمن يهتدون بذلك البيت إلى جهة صلاتهم، ويولون وجوههم شطره في صلاتهم، وربما لا تمضي ساعة من ليل أو نهار إلّا وهناك ناس يتوجهون إليه، ويأتون إليه مشاة وركبانًا من كل فج عميق، لأداء المناسك الدينية من الحج والعمرة، ولا شك أنَّ هذه الهداية من أشرف أنواع الهدايات. وكونه قبلة لكل نبي؛ لأن تكليف الصلاة كان لازمًا في دين جميع الأنبياء عليهم السلام بدليل قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (٥٨)}. فدلت الآية على أن جميع الأنبياء عليهم السلام، كانوا يسجدون لله، والسجدة لا بد لها من قبلةٍ، فلو كانت قبلة شيث، وإدريس، ونوح، عليهم السلام موضعًا آخر سوى الكعبة .. لبطل قوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} فوجب أن يقال: إن قبلة أولئك الأنبياء المتقدّمين: هي الكعبة. فدل هذا على أن هذه الجهة كانت أبدًا مشرفة مكرمة.
٩٧ - وذكر الثالث منها بقوله:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}؛ أي: وحالة كونه فيه؛ أي: في ذلك البيت آيات بينات؛ أي: دلائل وعلامات واضحات تدل على حرمته، ومزيد