للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لكنه أراد الترويج على رعيته، وصدهم عن الإيمان به.

٥٣ - ثم ذكر شبهةً مانعة له من الرياسة، وهي أنه لا يلبس لبس الملوك، فلا يكون رئيسًا ولا رسولًا لتلازمهما في زعمه، فقال: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} قاله توبيخًا (١) ولومًا على ترك الفعل، على ما هو مقتضى حرف التحضيض، الداخل على الماضي، والأسورة جمع سوار بالكسر والضم، وهو ما يلبس في الساعد، والذهب جسم ذائب صاف، منطرق، أصفر، كما سيأتي.

والمعنى: فهلا أُلقي على موسى، وأُعطي مقاليد الملك، إن كان صادقًا في مقالته في رسالته، فيكون حاله خيرًا من حالي، والملقي هو رب موسى من السماء، وإلقاء الأسورة كناية عن إلقاء مقاليد الملك؛ أي: أسبابه التي هي كالمفاتيح له، وكانوا إذا سودوا رجلًا سوروه بسوارين، وطوقوه بطوق من ذهب علما على رياسته، ودلالة لسيادته؛ أي: فهلا ألقى رب موسى عليه أساور من ذهب، فيتحلى بها إن كان صادقًا، في أن له ربًا أرسله إلينا، كما جرت عادتهم بذلك، وهذا شبيه بما قال كفار قريش في عظيم القريتين.

وقرأ الضحاك (٢): {فَلَوْلَا أُلْقِيَ}: مبنيا للفاعل؛ أي: الله {أساورة}: بالنصب، وقرأ الجمهور: {أساورة}: بالرفع. وقرأ أبي وعبد الله: {أساوير} جمع إسوار، لغة في سوار، وقرأ الحسن وقتادة وأبو رجاء والأعرج ومجاهد وأبو حيوة وحفص: {أَسوِرَةٌ} جمع سوار، نحو: خمار وأخمرة، وقرأ الأعمش {أساوير}، ورويت عن أبي وعن أبي عمرو.

ثم ذكر شبهةً أخرى، وهي أنه ليس له خدم أو الملائكة تعينه، فقال: {أَوْ} هلا {جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) أي: حالة كونهم متقارنين متتابعين، أو مقرونين بموسى منضمين إليه: إن كان صادقًا يعينونه على أمره، ويشهدون له بالنبوة، ويمشون أمه، كما نفعل نحو، إذا أرسلنا رسولًا في أمر هام يحتاج إلى دفاع، وفيه خصام ونزاع، وهو بهذا، أوهم قومه أن الرسل لا بدّ أن يكونوا على


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.