للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأقوى بالنسبة إلى كراهة طعامهم، كان شرابهم أبعد من طعامهم من حيث الرتبة، فيكونون جامعين بين أكل الطعام الكريه البشع، وشرب الشراب الأكره الأبشع، {لَشَوْبًا}؛ أي: لشرابًا مخلوطًا ممزوجًا {مِنْ} دم وصديد بماء {حَمِيمٍ}؛ أي: متناه في الحرارة، والشوب: الخلط، قال الفراء: يقال: شاب طعامه وشرابه، إذا خلطهما بشيء يشوبهما شوبًا وشبابة، والحميم: الحار الذي قد انتهى حره؛ أي: إن لهم شرابًا من دم أو قيح أسود، أو صديد ممزوجًا مشوبًا بماء حار، غاية الحرارة يقطع أمعاءهم.

وقرأ الجمهور (١): {شوبا} بفتح الشين، وقرأ شيبان النحوي: بالضم، قال الزجاج: الفتح للمصدر، والضم للاسم، يعني: أنه فعل بمعنى مفعول كالنقض بمعنى المنقوض.

٦٨ - {ثُمَّ} بعد ما ملؤوا بطونهم منها، وشربوا عليها شوبًا من حميم {إِنَّ مَرْجِعَهُمْ}؛ أي: مصيرهم ومنقلبهم {لَإِلَى الْجَحِيمِ}؛ أي: إلى (٢) دركاتها أو إلى نفسها، فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولها، وقيل: الجحيم خارج عنها لقوله تعالى: {هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)}، يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم من الجحيم إلى شجرة الزقوم، فيأكلون منها إلى أن يمتلئوا، ثم يسقون من الحميم، ثم يردون إلى الجحيم، كما يرد الإبل عن موارد الماء، ويؤيده قراءة ابن مسعود {ثم إن مقيلهم}، وفي الحديث: «يا أيها الناس اتقوا الله، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت، لأمرت على أهل الدنيا معيشتها، فكيف بمن هو طعامه وشرابه، وليس له طعام غيره»، وقرأ ابن مسعود {ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم}.

وقال أبو حيان (٣): ولما كان الأكل يعقبه ملء البطن، كان العطف بالفاء في قوله: {فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ}، ولما كان الشرب يكثر تراخيه عن الأكل، أتى


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط بتصرف.