للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عباس رضي الله عنهما، والمثبتون للرؤية يقولون: إن استنباط عائشة إنما هو لنفي الرؤية في الدنيا فقط، كما قال بذلك الجمهور، ولا تقاس شؤون البشر في الآخرة على شؤونهم في الدنيا؛ لأنّ لذلك العالم سننا ونواميس تخالف سنن هذا العالم ونواميسه، حتى في الأمور المادية كالأكل والشرب والمأكول والمشروب، فماء الجنة غير آسن، فلا يتغير كماء الدنيا بما يخالطه أو يجاوره في مقره أو جوّه، قال ابن عباس: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء.

وجمهرة المسلمين: أن رؤية العباد لربهم في الآخرة حق، وأنّها أعلى وأكمل للنعيم الروحاني التي يرتقي إليه البشر في دار الكرامة، وأنّها أحق ما يصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلّم: «قال الله عز وجل: اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» وهي المعبر عنها بقولهم: إنّها رؤية بلا كيف.

١٤٥ - وبعد أن أخبر سبحانه في الآيات السالفة أنّه منع موسى رؤيته في الدنيا، وبشره بأنّه اصطفاه على أهل زمانه برسالته وبكلامه، اخبرنا فيما بعد بما أتاه يومئذ بالإجمال فقال: {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ}؛ أي: وكتبنا لموسى في ألواح التوراة {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}؛ أي: كل شيء يحتاج إليه موسى وقومه في دينهم من الحلال والحرام، والمحاسن والقبائح، فـ {مِنْ} زائدة في المفعول. وقوله: {مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا} بدل {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، باعتبار محله وهو النصب على المفعولية. وقوله: {لِكُلِّ شَيْءٍ}؛ متعلق بتفصيلا؛ أي: وكتبنا (١) له في الألواح كل شيء من المواعظ التي توجب الرغبة في الطاعة، والنفرة عن المعصية، ومن تفصيل الأحكام وشرح أقسامها؛ أي: إننا (٢) أعطيناه ألواحا كتبنا له فيها أنواع الهداية، والمواعظ التي تؤثر في القلوب، ترغيبا، وترهيبا، وتفصيلا لأصول الشرائع، وهي أصول العقائد والآداب، وأحكام الحلال والحرام، والراجح أنّ هذه الألواح كانت أول ما أوتيه من وحي التشريع الإجمالي، أما سائر الأحكام


(١) المراح.
(٢) المراغي.