وأعلم (١): أن إثبات الكلام والتكليم لله تعالى صريح في القرآن الكريم في آيات عدة، لا تعارض بينها، وأما الرؤية ففيها آيات متعارضة كقوله تعالى:{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} وقوله: {لَنْ تَرانِي} وهما أصرح في النفي من دلالة قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)} على الإثبات؛ فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار كثير في القرآن وفي كلام العرب، كقوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} وقوله: {ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً} وفي الأحاديث الصحيحة تصريح بإثبات الرؤية بحيث لا تحتمل تأويلا، والمرفوع منها مروي عن أكثر من عشرين صحابيا، ولم يرد في معارضتها شيء أصرح من حديث عائشة عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أماه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلّم ربه ليلة المعراج؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثلاث من حدثكهن .. فقد كذب، من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلّم رأى ربه .. فقد كذب وفي رواية: فقد أعظم الفرية، ثم قرأت {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)}. {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} ومن حدثك أنه يعلم ما في غد .. فقد كذب، ثم قرأت {وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا} ومن حدثك أنّه كتم شيئا من الدين .. فقد كذب، ثم قرأت {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ} قال مسروق - وكنت متكئا - فجلست وقلت: ألم يقل الله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣)}؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على ذلك؟ فقال:«إنما هو جبريل».
ومن هذا تعلم أنّ عائشة تنفي دلالة سورة النجم على رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم لربه بالحديث المرفوع، وتنفي جواز الرؤية مطلقا، أو في هذه الحياة الدنيا بالاستدلال بقوله تعالى:{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ} وقوله: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} وهذا الاستدلال ليس نصا في النفي حتى يرجح على الأحاديث الصريحة في الرؤية، وقد قال بها بعض علماء الصحابة، كابن