و {مَكْرَ اللَّهِ} مصدر مضاف إلى الفاعل، وهو كناية عن أخذه العبد من حيث لا يشعر. قال ابن عطية: و {مَكْرَ اللَّهِ} هي إضافة مخلوق إلى الخالق، كما تقول: ناقة الله وبيت الله، والمراد فعل معاقب به مكر الكفرة، فلما كان عقوبة الذنب .. أضيف إلى الله؛ فإن العرب تسمى العقوبة - على أي جهة كانت - باسم الذنب الذي وقعت عليه العقوبة. وهذا نص في قوله:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}. انتهى، وقال عطية: ألقوا في مكر الله: عذابه وجزاؤه على مكرهم، وقيل: مكره تعالى استدراجه بالنعمة والصحة، وأخذه على غرة، وكرر المكر مضافا إلى الله تحقيقا لوقوع جزاء المكر بهم. ذكره أبو حيان في «البحر».
والمذهب الأسلم الذي نلقى الله عليه: أن مكر الله تعالى صفة ثابتة له تعالى فنثبتها، ولا نكيفه ولا نعطله، أثرها أخذ العبد من حيث لا يشعر.
والمعنى: أجهلوا بأس الله تعالى بمن قبلهم، فأمنوا مكر الله لهم في هذين الوقتين: البيات والضحى {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ} وعذابه {إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ}؛ أي: إلا الكافرون الذين خسروا أنفسهم، حتى صاروا إلى النار المؤبدة.
وقال المراغي: وإذا كانت الآية ناطقة بأن أمن الصالح المتعبد من مكر الله جهلا يورث الخسر، فما بال من يأمن مكر الله وهو مسترسل في معاصيه، إتكالا على عفوه ومغفرته ورحمته؟!. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يكثر من الدعاء بقوله:«اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك». وذكر سبحانه أنّ الراسخين في العلم يدعونه فيقولون:{رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ
وكما أن الأمن من مكر الله خسران ومفسدة .. فاليأس من رحمة الله كذلك، فكلاهما مفسدة تتبعها مفاسد.
١٠٠ - والهمزة في قوله:{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها} للتوبيخ والتقريع، كالتي قبلها، وهي داخلة على محذوف، والواو عاطفة ما بعدها على