ووقوع ما أنذرهم به، ومن إنباء الله بما في قلوبهم، وفضيحتهم بما يكتمون من أعمالهم.
ثم هم مع كل هذا تمر عليهم الأعوام بعد الأعوام، ولا يتوبون من نفاقهم، ولا يتعظون بما يحل بهم من العذاب، أفبعد هذا برهان على قلة الاستعداد للإيمان، وانطفاء نور الفطرة؛ ولله در القائل:
١٢٦ - وقرأ الجمهور (١): {أَوَلَا يَرَوْنَ} بالياء والضمير فيه يعود على الذين في قلوبهم مرض. وقرأ حمزة {ترون} بالتاء، خطابًا للمؤمنين. والرؤية يحتمل أن تكون من رؤية القلب ومن رؤية البصر. وقرأ أبي وابن مسعود والأعمش:{أو لا ترى}؛ أي: أنت يا محمَّد. وعن الأعمش أيضًا:{أولم تروا}. وقال أبو حاتم عنه:{أولم يروا}. وقرأ ابن مسعود {ولا هم يتذكرون}.
١٢٧ - وبعد أن بين حال تأثير إنزال السورة في المنافقين، وهم غائبون عن مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين حالهم وهم في مجلسه، - صلى الله عليه وسلم -، حين نزولها واستماع تلاوته لها، فقال:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} فيها بيان حالهم، وكانوا حاضرين مجلس نزولها {نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} أي: تغامزوا بالعيون، يدبرون الهرب ليتخلصوا عن تأذي سماعها، يقولون بطريق الإشارة:{هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} من المسلمين إن قمتم من المجلس، {ثُمَّ انْصَرَفُوا} جميعًا عن مجلس نزول الوحي؛ خوفًا من الافتضاح أو غير ذلك. والمعنى؛ أي: وإذا أنزلت سورة وهم في المجلس، تسارقوا النظر وتغامزوا بالعيون على حين تخشع أبصار المؤمنين، وتنحني رؤوسهم، وتشاوروا في الانسلال. من المجلس، خفية لئلا يفتضحوا بما يظهر عليهم من سخرية وإنكار قائلًا بعضهم لبعض:{هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ}؛ أي: هل يراكم الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، أو المؤمنون إذ قمتم من المجلس، ثم انصرفوا جميعًا عن مجلس نزول الوحي، متسللين لواذًا، كراهة منهم لسماعه، وانتظارًا لسنوح