للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانوا مكذبين بالسور النازلة قبل ذلك، والآن صاروا مكذبين بهذه السورة الجديدة، فقد انضم كفر إلى كفر، وإنهم كانوا في العداوة واستنباط وجوه المكر، والآن ازدادت تلك الأخلاق الذميمة بسبب نزول هذه السورة الجديدة، {وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} وهذه الحالة أقبح من الحالة الأولى، فإن الأولى ازدياد الرجاسة، وهذه مداومة الكفر وموتهم عليه؛ أي وأما (١) الذين في قلوبهم شك وارتياب دعاهم إلى النفاق بإسرار الكفر، وإظهار الإِسلام فزادتهم كفرًا ونفاقًا مضمومًا إلى كفرهم ونفاقهم السابق، واستحوذ ذلك عليهم واستحكم فيهم إلى أن ماتوا على الكفر والنفاق، على مقتضى سننه تعالى في تأثير الأعمال في صفات النفس، وتغيير هواجس الفكر، ثم عجيب من حالهم وقد كان لهم زاجر فيما يرون فقال: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} والهمزة (٢): فيه للاستفهام التوبيخي على قراءة الياء في يرون وللاستفهام التعجيبي على قراءة التاء فيه. والخطاب فيه للمؤمنين، وهي داخلة على محذوف والواو عاطفة على ذلك المحذوف، تقديره: أيجهلون ولا يرون؛ أي؛ يجهل المنافقون ولا يرون أنهم يختبرون في كل عام بأنواع البليات، من المرض والجوع، ومن إظهار الفضيحة على نفاقهم، وعلى تخلفهم من الغزو مرة أو مرتين فأكثر، {ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ} من نفاقهم {وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}؛ أي: يتعظون بتلك الفتن الموجبة للتوبة، وقوله: {ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ} وما بعده معطوف على لا يرون على قراءة الياء التحتية داخل تحت الإنكار والتوبيخ، وعطف على {يُفْتَنُونَ} على قراءة التاء الفوقية.

أي: أيجهلون (٣) هذا ويغفلون عن حالهم فيما يعرض لهم عامًا بعد عام، من ضروب الابتلاء والاختبار التي تظهر استعداد النفوس للإيمان والكفر، والتفرقة بين الحق والباطل، ولا ينظرون إلى الآيات الدالة على صدق الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، في كل ما أخبر به، من نصر الله لمن اتبعه، وخذلان أعدائه،


(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.