وخلاصة الكلام: أنكم إن تصبروا وتتقوا .. لا يضركم كيدهم شيئًا، وينصركم ربكم كما نصركم على أعدائكم، وأنتم يومئذٍ في قلة من العدد، وفي غير منعة من الناس حتى أظهركم على عدوكم مع كثرة عددهم، وعظيم منعتهم، فأنتم اليوم أكثر عددًا منكم يومئذٍ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم، كما نصركم في ذلك اليوم، ولا ضير في الذل إذا لم يكن عن قهر من البغاة والظالمين، ولم يكن المؤمنون بمقهورين، ولا بمستذلين من الكفار، وإنما كانت قوتهم أول تكونها.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ} أيها المؤمنون وخافوه في أمر الحرب بالثبات فيها مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدم مخالفة أميركم فيها {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: لكي تشكروا نعمته تعالى عليكم ونصرته لكم على أعدائكم، والمعنى: فاتقوا الله ربكم بطاعته، واجتناب محارمه، لتهيؤوا أنفسكم لشكره على ما منَّ به عليكم من النصر على أعدائكم؛ وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضل عنه مخالفوكم؛ إذ من لم يروض نفسه بالتقوى يغلب عليه الهوى، واتباع الشهوات فلا يرجى منه الشكر لأنعم الله بصرفها فيما خلقت لأجله من الحكم والمنافع.
١٢٤ - والظرف في قوله:{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ} متعلق بـ {نصركم} و {الهمزة} في قوله: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ} للاستفهام الإنكاري؛ أي: لإنكاره - صلى الله عليه وسلم - عليهم عدم اكتفائهم بذلك المدد من الملائكة. ومعنى الكفاية سد الخلة والقيام بالأمر.
والمعنى: ولقد نصركم الله ببدر في الوقت الذي تقول فيه للمؤمنين تطمينًا لقلوبهم، وبشارة لهم: ألن يكفيكم ويغنيكم عن مساعدة الغير {أَنْ يُمِدَّكُمْ} ويساعدكم ويعينكم {رَبُّكُمْ} على عدوكم {بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} من السماء لنصركم.
وذلك القول (١) حين أظهروا العجز عن المقاتلة، لما بلغهم أن كرز بن جابر يريد أن يمد المشركين، فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ} الخ.