للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنهم أموات غير أحياء، وقيل (١): المعنى وإن تدعوا أيها المؤمنون المشركين إلى الهدى والإيمان لا يسمعوا؛ أي: لا يقبلوا ذلك بقلوبهم، فلا يجيبوكم، والآية كقوله: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ}.

{وَتَراهُمْ}؛ أي: وترى أيها المخاطب تلك الأصنام {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} بما وضع لهم من أعين صناعية، وحدق زجاجية، أو جوهرية، موجهة إلى من يدخل عليها، كأنها تنظر إليه {وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} بها؛ لأن حاسة الإبصار لا تحصل بالصناعة، وإنّما هي من خواص الحياة التي استأثر الله بها؛ أي: والحال أنّهم غير قادرين على الإبصار؛ لأنّهم أموات غير أحياء، وهم إذ فقدوا السمع لا يسمعون نداء ولا دعاء ممن يعبدونهم، ولا من غيرهم، وإذ فقدوا البصر لا يبصرون حاله وحال خصمه، فكيف يرجى منهم نصر وشد أزر؟ أو أي معونة أخرى؟ أو كيف يخشى منهم إيصال ضر وأذى لمن يحتقرهم؟!!

وقيل المعنى: وترى يا محمد المشركين ينظرون إليك بأعينهم، وهم لا يبصرونك بقلوبهم.

١٩٩ - {خُذِ الْعَفْوَ} يا محمد؛ أي: اقبل الميسور من أخلاق الناس من غير تجسس لئلا تتوالد العداوة والبغضاء، أو المعنى: خذ ما تيسر من المال فما آتوك به فخذه، ولا تسأل عما وراء ذلك، وكان هذا قبل نزول فريضة الزكاة، وقال مجاهد: يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس، وذلك مثل قبول الاعتذار منهم، وترك البحث عن الأشياء، والعفو: المساهلة في كل شيء، وقال أبو السعود: ولما ذكر الله سبحانه وتعالى من أباطيل المشركين وقبائحهم ما لا يطاق .. حمله أمره عليه السلام بمكارم الأخلاق، التي من جملتها الإغضاء عنهم، انتهى.

{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}؛ أي: وأمر الناس بكل ما أمرك الله به، وهو كل ما عرفته بالوحي من الله عز وجل، وقرأ (٢) عيسى بن عمر {بِالْعُرْفِ} - بضمتين - وهما لغتان، والعرف والمعروف والعارفة: كل خصلة حسنة ترتضيها العقول، وتطمئن


(١) الفتوحات.
(٢) الشوكاني.