للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليها النفوس، ومنه قول الشاعر:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والنّاس

{وَأَعْرِضْ} واصفح {عَنِ} إساءة {الْجاهِلِينَ} بالمعروف، المستهزئين بك؛ أي: إذا أقمت الحجة في أمرهم بالمعروف، فلم يفعلوا، فأعرض عنهم، ولا تمارهم، ولا تسافههم مكافأة لما يصدر منهم من المراء والسفاهة، قيل: وهذه الآية من جملة ما نسخ بآية السيف، قاله عبد الرحمن بن زيد وعطاء، وقيل: هي محكمة، قاله مجاهد وقتادة. وقيل (١): إن كان المراد بالجاهلين الكفار، وبالإعراض عدم مقاتلتهم .. فالآية منسوخة بآية السيف، وإن كان المراد بالجاهلين ضعفاء الإسلام وأجلاف العرب، وبالإعراض عدم تعنيفهم والإغلاظ عليهم .. فالآية محكمة، وفي معنى ذلك قوله سبحانه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} وهو الذي لا عتاب فيه.

وقال بعضهم (٢): أول هذه الآية وآخرها منسوخ، ووسطها محكم، يريد بنسخ أولها أخذ الفضل من الأموال، فنسخ بفرض الزكاة، والأمر بالمعروف محكم، والإعراض عن الجاهلين منسوخ بآية القتال، وفي هذه الآية تعليم مكارم الأخلاق للعباد، فليس هذا الأمر من خصوصياته صلى الله عليه وسلّم.

وحاصل معنى الآية: أن الله سبحانه وتعالى (٣) أمر نبيه في هذه الآية بثلاثة أشياء، هي أسس عامة للشريعة في الآداب النفسية والأحكام العملية:

١ - العفو: وهو السهل الذي لا كلفة فيه؛ أي: خذ ما عفا لك وسهل من أفعال الناس وأخلاقهم، وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة، ولا تطلب منهم ما يشق عليهم حتى ينفروا، وهذا كما جاء في الحديث: «يسروا ولا تعسروا». وقال الشاعر:

خذ العفو منّي تستديمي مودّتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب


(١) الصاوي.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.