للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جواب لوط: ما جئناك بما تنكرنا لأجله {بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ}؛ أي: بل جئناك بما فيه فرحك وسرورك، ويشفيك من عدوك، وهو العذاب الذي توعدتهم به، فيشكون فيه قبل مجيئه؛ أي: بل جئناك بالعذاب الذي يشكُّون فيه.

والمعنى: قالت الرسل مخاطبين لوطًا: ما جئناك يا لوط بما خطر ببالك من المكروه، بل جئناك بما فيه سرورك، وهو عذابهم الذي كنت تحذرهم منه، وهم يكذبونك فيه قبل مجيئه، فأنى لك بعد هذا أن تعتريك مساءة وضيق ذرعٍ.

وخلاصة ما أرادوا أن يقولوا (١): ما خذلناك وما خلينا بينك وبينهم، بل جئناك بما يدمرهم ويهلكهم من العذاب الذي كنت تتوعدهم به، وهم يكذبونك، واختاروا هذا الأسلوب ولم يقولوا: جئناك بعذابهم، لإفادة ذلك شيئين: تحقق عذابهم، وتحقق صدقه عليه السلام، بعد أن كابد منهم كثيرًا من الإنكار والتكذيب.

٦٤ - {وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ}؛ أي: باليقين الذي لا مرية فيه ولا تردد، وهو العذاب النازل بهم لا محالة، {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} في ذلك الخبر الذي أخبرناك من إهلاكهم؛ أي: وجئناك بالأمر المحقق المتقن، الذي لا مجال فيه للامتراء والشك، وهو العذاب الذي كتب وقدر لقوم لوط، وإنا لصادقون فيما أخبرناك به.

٦٥ - ثم شرعوا يرتبون له مبادئ النجاة قبل حلول العذاب بقومه، فقالوا له: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}؛ أي: فاذهب بهم، من السرى وهو السير في الليل {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}؛ أي: في طائفة من الليل؛ أي: في بعض منه والمراد بأهله ابنتاه، فلم يخرج من قريته إلا هو وابنتاه، قيل: ومعهم امرأته الصالحة، وفي "القرطبي" في سورة هود: فخرج لوط وطوى الله الأرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم؛ أي: فسر (٢) ببنتيك وامرأتك الصالحة في جزء من الليل عند السحر، {وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ}؛ أي: امش خلفهم، لأجل أن تطمئن عليهم، وتعرف أنهم: ناجون، جمع دبر وهو من كل شيء عقبه ومؤخَّره؛ أي: وكن على إثرهم لتسوقهم وتسرع


(١) المراغي.
(٢) المراح.