٣ - الضرب غير المبرح؛ أي: غير المؤذي إيذاء شديدًا كالضرب باليد أو بعصا صغيرة.
وقد يستعظم بعض من قلد الإفرنج من المسلمين مشروعية ضرب المرأة الناشز، ولا يستعظمون أن تنشز وتترفع هي عليه، فتجعله وهو الرئيس مرؤوسًا محتقرًا، وتُصر على نشوزها، فلا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، فإن كان قد ثقل ذلك عليهم .. فليعلموا أن الإفرنج أنفسهم يضربون نسائهم العالمات المهذبات، بل فعل هذا حكماؤهم وعلماؤهم وملوكهم وأمراؤهم، فهو ضرورة لا يستغنى عنها، ولا سيما في دين عام للبدو والحضر من جميع أصناف البشر، وكيف يُستنكر هذا والعقل والفطرة يدعوان إليه، إذا فسدت البيئة - الحالة - وغلبت الأخلاق الفاسدة، ولم ير الرجل مناصًا منه، ولا ترجع المرأة عن نشوزها إلا به.
لكن إذا صلحت البيئة وصارت النساء يستجبن للنصيحة، أو يزدجرن بالهجر .. وجب الاستغناء عنه؛ إذ نحن مأمورون بالرفق بالنساء، واجتناب ظلمهن، وإمساكهن بمعروف، أو تسريحهن بمعروف.
والخلاصة: أن الضرب علاج مُرٌّ قد يستغني عنه الخير الكريم، ولكنه لا يزول من البيوت إلا إذا عم التهذيب الرجال والنساء، وعرف كلٌّ ما له من الحقوق، وكان للدين سلطان على النفوس، يجعلها تراقب الله في السر والعلن، وتخشى أمره ونهيه.
٣٥ - ثم بين الطريق السوي الذي يتبع عند حدوث النزاع وخوف الشقاق، فقال:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} والخطاب فيه لولاة الأمور، وصلحاء الأمة؛ أي: وإن علمتم أيها الولاة، أو أيها المؤمنون شقاقًا، ومخالفة واقعة بين الزوجين، ولم تعلموا من أيهما الشقاق .. {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}؛ أي: فأرسلوا أيها الولاة أو المؤمنون برضى الزوجين - وجوبًا - إلى الزوج رجلًا عَدْلًا عارفًا بالحكم ودقائق الأمور، كائنًا من أقارب الزوج ندبًا؛ لأن الأقارب أعرف