وقرأ زيد بن علي:{ما تتلى} بتاء التأنيث، والجمهور: بالياء.
{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {كَانَ لَطِيفًا}؛ أي: ذا لطف بكن؛ إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته وشرائعه {خَبِيرًا} بكن؛ إذ اختاركن لرسوله أزواجًا أو لطيفًا بأوليائه، خبيرًا بجميع خلقه، وجميع ما يصدر منهم من خير وشر، وطاعة ومعصية، فهو يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، أو بليغ اللطف والبر بخلقه كلهم؛ خبيرًا؛ أي: بليغ العلم بالأشياء كلها، فيعلم ويدبر ما يصلح في الدين، ولذلك أمر ونهى، أو: يعلم من يصلح لنبوته، ومن يستأهل أن يكون من أهل بيته.
روي: أن رجلًا تكلم في زين العابدين رضي الله عنه، وافترى عليه، فقال زين العابدين: إن كنت كما قلت: فاستغفر الله، وإن لم أكن نستغفر الله لك، فقام إليه الرجل، وقبل رأسه، وقال: جعلت فداءك، لست كما قلت، فاستغفر لي، قال: غفر الله لك، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
٣٥ - ولما نزل في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نزل .. قال نساء المسلمين: فما نزل فينا شيء، ولو كان فينا خير لذكرنا، فنزلت:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ...} الخ. فذكر لهن عشر مراتب مع الرجال، فمدحهن بها معهم:
الأولى: الإِسلام، وهو الانقياد لأمر الله تعالى، فذكرها بقوله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}؛ أي: إن الداخلين في السلم بعد الحرب، المنقادين لحكم الله تعالى من الذكور والإناث. وفي "التأويلات النجمية": المسلم: هو المستسلم للأحكام الأزلية بالطوع والرغبة، مسلمًا نفسه إلى المجاهدة والمكابدة ومخالفة الهوى، وقد سلم المسلمون من لسانه ويده. وبدأ سبحانه بذكر الإِسلام الذي هو مجرد الدخول في الدين، والانقياد له مع العمل، كما ثبت في الحديث الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما سأله جبريل عن الإِسلام قال:"هو أن تشهد أن لا إله إلا الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان".
ثم عطف على المسلمين {وَالْمُسْلِمَاتِ} تشريفًا لهن بالذكر صريحًا، وهكذا فيما بعد، وإن كن داخلات في لفظ المسلمين والمؤمنين وغيرهما، والتذكير إنما هو لتغليب الذكور على الإناث، كما في جميع ما ورد في الكتاب العزيز من ذلك.