للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحق والهدى مصدقون ومقرون بأنه من عند الله، وأن الله أمر به، وعن أمر الله دعانا صالح. وفي جوابهم هذا دون أن يقولوا نعم، أو نعلم أنه مرسل منه، أو إنا برسالته عالمون إيماء إلى أنهم علموا بذلك علما يقينيا إذعانيّا له السلطان على عقولهم وقلوبهم، وما كل من يعلم شيئا يصل علمه إلى هذه المرتبة، بل من الناس من يعلم الشيء بالبرهان، لكنه يجحده ويحاربه، وهو موقن به حسدا لأهله، أو استكبارا عنه كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}.

٧٦ - {قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} عن أمر الله، وأمر رسوله صالح {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ}؛ أي: صدقتم به من نبوة صالح، وأن الذي جاء به هو الحق {كافِرُونَ}؛ أي: جاحدون منكرون لا نصدق به ولا نقر. وإنما لم يقولوا: إنا بالذي أرسل به صالح كافرون؛ لأن ذلك يتضمن إثبات الرسالة، فلو قالوه لكان شهادة منهم على أنفسهم بجحود الحق على علمهم به استكبارا وعنادا.

٧٧ - ثم ذكر ما فعلوه مما يدل على كفرهم بآيات ربهم، فقال: {فَعَقَرُوا}؛ أي: عقر أولئك المستكبرون {النَّاقَةَ}؛ أي: ناقة صالح وقتلوها، ونسب الفعل إليهم جميعا، والفاعل واحد منهم، وهو (١) قدار بن سالف، وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا يزعمون أنه ابن زانية، ولم يكن لسالف، ولكنه ولد على فراشه، وكان قدار عزيزا متبعا في قومه قتلها بأمرهم في يوم الأربعاء، فقال لهم صالح: إن آية العذاب أن تصبحوا غدا صفرا، ثم أن تصبحوا يوم الجمعة حمرا، ثم أن تصبحوا يوم السبت سودا، ثم يصبحكم العذاب يوم الأحد؛ أي: نسب الفعل إليهم مع كون العاقر واحدا منهم كما جاء في سورة القمر: {فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩)} وجاء في «صحيح البخاري» مرفوعا: «فانتدب لها رجل ذو عزة ومنعة في قومه كأبي زمعة؛ لأنهم لما اتفقوا عليه ورضوا به صاروا كأنهم فعلوه جميعا». وفي ذلك تهويل وتفظيع لأمرهم، وإن أضراره ستصيبهم جميعا، ومثل هذا من الأعمال ينسب إلى الأمة في جملتها، وتعاقب عليه جميعها كما قال تعالى:


(١) المراح.