للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذكر هنا أنهم بعد أن يستقروا في النار، ويوقنوا أنهم مخلدون فيها أبدًا، يسألون سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، ليستبين لهم أن ما ظنوه أمدًا طويلًا يسير بالنسبة إلى ما أنكروه، وحينئذِ يزدادون حسرة وألمًا على ما كانوا يعتقدون في الدنيا، حين رأوا خلاف ما ظنوا، ثم بين بعدئذٍ ما هو كالدليل على وجود البعث، وهو تمييز المطيع من العاصي، ولولاه لكان خلق العالم عبثًا، تنزه ربنا عن ذلك، ثم أتبع هذا بالرد على من أشرك معه غيره، وأنذره بالعذاب الأليم. ثم أمر رسوله أن يطلب منه غفران الذنوب، وأن يثني عليه بما هو أهله.

التفسير وأوجه القراءة

٩٣ - {قُلْ}: يا محمد في الدعاء يا {رَبِّ}؛ أي: يا مالك أمري. {إِمَّا} أصله (إن ما). و (ما) مزيدة لتأكيد معنى الشرط، كالنون في قوله: {تريني}؛ أي: إن كان لا بد من أن تريني {مَا يُوعَدُونَ}؛ أي: ما يوعد هؤلاء المشركون من العذاب الدنيوي المستأصل، والوعد يكون في الخير والشر،

٩٤ - وأعاد (١) لفظ {رَبِّ} مبالغة في التضرع .. {فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}؛ أي: معهم في العذاب، ففي بمعنى مع؛ أي: لا تجعلني قريبًا لهم في العذاب، وأخرجني من بين أيديهم سالمًا. والمراد بالظلم: الشرك، وفيه إيذان بكمال فظاعة ما وعدوه من العذاب، وكونه بحيث يجب أن يستعيذ منه، من لا يكاد يمكن أن يحيق به، ورد لإنكارهم إياه، واستعجالهم به على طريقة الاستهزاء. وهذا يدل على أن النبلاء ربما يعم أهل الولاء، كما قال: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، وأن للحق سبحانه أن يفعل ما يريد، ولو عذب البر لم يكن ذلك منه ظلمًا، ولا قبيحًا.

والمعنى: أي (٢) قل يا محمد: رب إن عاقبتهم وأنا مشاهد ذلك .. فلا تجعلني فيهم، ولا تهلكني بما تهلكهم به، ونجني من عذابك وسخطك، واجعلني ممن رضيت عنهم من أوليائك.


(١) روح البيان.
(٢) المراغىّ.