للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وزعمتم أنه لن يكون، لتفريطكم في النظر وغفلتكم عن الأدلة المتظاهرة عليه.

٥٧ - ولما كانت الأدلة تترى على أن الدنيا دار عمل، وأن الآخرة دار جزاء .. ذكر أن المعاذير لا تجدي في هذا اليوم، فلا يجابون إلى ما طلبوا من الرجوع إلى الدنيا، لإصلاح ما فسد من أعمالهم فقال: {فَيَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ تقوم القيامة أو يوم، إذ يقع ذلك من إقسام الكفار، وقول أولي العلم لهم {لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ أي: أشركوا {مَعْذِرَتُهُمْ}؛ أي: عذرهم، وهو فا عل ينفع؛ أي: لا ينفعهم اعتذارهم من ذنوبهم.

وقرأ الجمهور وابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (١): {لا تنفع} بالتاء الفوقية، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: بالياء التحتية هنا، وفي الطول، وافقهم نافع في الطول؛ لأن التأنيث غير حقيقي. {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}؛ أي: لا يطلبون بإرضاء الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة عن الشرك والمعاصي، ولا يدعون إلى ما يقتضي إعتابهم؛ أي: إزالة عتبهم وغضبهم من التوبة والطاعة، كما دعوا إليه في الدنيا، إذ لا يقبل حينئذ توبة ولا طاعة، وكذلك لا يصح رجوع إلى الدنيا، لإدراك فائت من الإيمان والعمل؛ أي: لا يقال لهم: أرضوا ربكم بتوبة وطاعة؛ أي: لا يطلب منهم الإعتاب؛ أي: الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة.

فإن قلت (٢): كيف قال هنا ذلك مع قوله في فصلت: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} حيث جعلهم هنا مطلوبًا منهم الإعتاب، وجعلهم ثم طالبين له؟

قلت: معنى قوله هنا: {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}؛ أي: ولا هم يقالون عثراتهم بالرد إلى الدنيا، ومعنى قوله: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}؛ أي: إن يستقيلوا .. فما هم من المقالين، فلا تنافي.

والمعنى (٣): ففي هذا اليوم لا تنفع هؤلاء المجرمين معاذيرهم عما فعلوا، كقولهم: ما علمنا أن هذا اليوم كائن، ولا أنا نبعث فيه، ولا هم يرجعون إلى


(١) البحر المحيط.
(٢) فتح الرحمن.
(٣) المراغي.