للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقت ما تحب، وعلى ما تحب، وأنفقه كذلك، انتهى. قال الحسن. ما أنعم الله على أحد نعمة، إلا كان عليه تبعة إلا سليمان. فإن أعطى أجر عليه، وإن لم يعط لم يكن عليه تبعة وإثم. وهذا مما خص به، والتبعة: ما يترتب على الشيء من المضرة، وكل حق يجب للمظلوم على الظالم بمقابلة ظلمه عليه، قال بعض المحققين: كان سؤال سليمان ذلك عن أمر ربه، والطلب إذا وقع عن الأمر الإلهي كان امتثال أمر وعبادة، فللطالب الأجر التام على طلبه، من غير تبعة حساب ولا عقاب، فهذا الملك والعطاء، لا ينقصه من ملك آخرته شيئًا، ولا يحاسب عليه أصلًا، كما يقع لغيره، وأما ما روي: أن سليمان آخر الأنبياء دخولًا الجنة لمكان ملكه، فعلى تقدير صحته، لا ينافي الاستواء بهم في درجات الجنة، ومطلق التأخر في الدخول لا يستلزم الحساب.

وقد روي: أن الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمس مئة سنة، ويجوز أن يكون بغير حساب حالًا من العطاء؛ أي: هذا عطاؤنا ملتبسًا بغير حساب، لغاية كثرته، كما يقال للشيء الكثير: هذا لا يحيط به حساب أو صلة له، وما بينهما اعتراض على التقديرين.

٤٠ - وبعد (١) أن ذكر ما أوتيه من نعم الدنيا، التي يحار العقل في إدراكها أبان ما له في الآخرة عند ربه، من مقام كريم وجنات نعيم، فقال: {وَإِنَّ لَهُ}؛ أي: لسليمان عليه السلام {عِنْدَنا لَزُلْفى}؛ أي: لقربى في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا {وَحُسْنَ مَآبٍ}؛ أي: وحسن مرجع، وهو الجنة؛ أي: وإن له في الآخرة لقربى وكرامة لدينا، فنبوّئه جنات النعيم، ونؤتيه الإجلال والتعظيم، فهو كما كان سعيدًا في الدنيا، يكون سعيدًا في الآخرة، ويفوز برضا ربه وعظيم كرامته. جعلنا الله ممن كتبت له السعادة في الدنيا، والكرامة، والمثوبة لديه في جنات النعيم، وجملة {إِنَّ} حال من الضمير في {سخرنا}؛ أي: أعدنا له الملك، والحال أن منزلته عندنا، لم تزل بزوال الملك، ولم تتغير بتغيره، بل


(١) المراغي.