للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن ثم لا يجاب لهم طلب، بل يقال لكل أفاك أثيم {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣)}.

٣٩ - ثم أمر - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن ينذر قومه المشركين جميعًا، فقال: {وَأَنْذِرْهُمْ}؛ أي: وخوّف يا محمد كفار مكة والناس جميعًا {يَوْمَ الْحَسْرَةِ}؛ أي: أهوال يوم السيرة والندامة، ليتوبوا عما هم عليه من الكفر والعصيان، وهو يوم القيامة سمي بذلك؛ لأن المسيء يتحسر هلا أحسن العمل والمحسن هلا زاد في الإحسان, وقوله: {إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ}: بدل من لوم الحسرة، أي: إذ فرغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها, ولأهل الجنة بالخلود فيها، بذبح الموت، وذبحه تصوير لأن كلاً من الفريقين يفهم فهماً لا لبس فيه، أنه لا موت بعد ذلك، وقوله: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} عن ذلك اليوم وأهواله في الدنيا وكذا قوله: {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}؛ أي: لا يصدقون بالقيامة والبعث والمجازاة: جملتان (١) حاليتان من مفعول أنذرهم؛ أي: وأنذرهم وهم على هاتين الحالتين، أو حالان من الضمير المستتر في قوله: {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}؛ أي: استقروا {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وهم على هاتين الحالتين السيئتين، وعلى هذا يكون قوله {وَأَنْذِرْهُمْ} اعتراضًا.

والمعنى: أي (٢) وأنذر يا محمد الناس جميعًا، يوم يتحسر الظالمون على ما فرّطوا في جنب الله، حين فرغ من الحساب، وذهب أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، ونودي كلٌّ من الفريقين: لا خروج من هذا بعد اليوم، ولا موت بعد اليوم، وهم في الدنيا غافلون عن ذلك اليوم غير مصدقين به.

روى الشيخيان، والترمذي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح يخالط بياضه سواد، فينادِي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون فيشرفون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي منادٍ: يا أهل النار


(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.