للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأحوال البشرية {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} منه، فكيف يكون رسولًا، وهو تقرير للمماثلة، وصفوه بمساواتهم في البشرية، وفي الأكل والشرب، وذلك يستلزم عندهم، أنه لا فضل له عليهم، والمعنى: أي: وقال: أشراف قومه الذين جحدوا وحدانية الله، وكذبوا بالبعث والحساب، وقد وسعنا عليهم في الحياة الدنيا، بما بسطنا لهم من الرزق، حتى بطروا وعتوا، وكفروا بربهم: ما هود إلا بشر مثلكم لا ميزة له عنكم، فهو يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون، فكيف يكون رسولًا؛ ومرادهم بذلك توهين أمره وتحقير شأنه.

٣٤ - واللام في قوله: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ} موطئة للقسم؛ أي: والله ليِّن امتثلتم {بَشَرًا مِثْلَكُمْ}؛ أي: آدميًا مماثلًا لكم في الخلق والصفات، فيما يأمركم به وينهاكم عنه {إِنَّكُمْ إِذًا}؛ أي: إذا أطعتموه {لَخَاسِرُونَ}؛ أي: لمغبونون في اَرائكم مغلوبون في عقولكم جاهلون بمصالحكم، حيث تركتم آلهتكم، وأذللتم أنفسكم، باتباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم.

{إِذًا} (١) هنا ليست هي الناصبة للمضارع، وإنما هي إذا الشرطية، حذفت جملتها التي تضاف إليها وعوض عنها التنوين كما في يومئذ، ولهذا لا يختص دخولها على المضارع، بل تدخل على الماضي وعلى الاسم. كقوله: {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ}. {وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} قاله الحافظ السيوطي في "الإتقان". اهـ. "كرخي".

فتحصل من هذا أن {إذًا} بمعنى: أن الشرطية، وأن التنوين المتصل بها عوض عن جملة الشرط كما قدرنا، وحينئذ فلا جواب لها إنما ذكرت توكيدًا لما قبلها، توكيدًا لفظيًا، من قبيل إعادة الشيء بمرادفه. والمعنى؛ أي: ولئن أطعتم بشرًا مثلكم فاتبعتموه، وقبلتم ما يقول .. إنكم إذًا لمغبونون حظوظكم من الشرف، والرفعة في الدنيا

٣٥ - ثم بينوا سبب إنكارهم لأتباعه، واستبعادهم وقوع ما


(١) الفتوحات.